السابع: الحلم والقصة.

4 2 0
                                    

مضت سبعة أيام لا تمس فيها الطعام ولا تشتهي شيءً منه، غير أنها تدخل اليسير الذي يبقيها حية إلى ثغرها. يحاولن الجواري أن يرفهن عنها، لكنها تظل شاردة، ترمي سهامها إلى حواف الأشياء، وتبدو أنها تطفو في عالمٍ غريب. تتذكر فيه أن على قصر الحريم أن يبقى في انسجام ظاهري، وأن يبطنوا كل الشرِّ في أجوافهن كي لا تتسع الدائرة وتطال غيرهن، هذا السلام المزيف إن زال، يجب أن يوجد للمرأة عشيرة تقف خلف ظهرها، وإن كان واحدًا يشابه الفوج في قوته ليذود عنها، وهي الآن خسرت نصف ظهرها، تشعر بذلك، أن 'لَيالْ' ما عاد عشيرةً تهلل خلفها إن دخلت يومًا في شجارٍ علني مع زوج ابن التاجر التي سيتخذها، أو حتى أسوأ، عشيقته.

أخبرها الوالي أنه لم يعاقب 'ليالْ' ولم تكن لتستكين بهذه الحقيقة الوحيدة فقط، أرادت المزيد، أمنًا يمنح له، وتهويدة لا يمنع عن سماعها من والدته، وسلامًا يدوم معها مهما فعلت له.

ليلة الثامن من إصابتها ثقل حمل نحرها إلى الأسفل، وازداد ضياء العقد، فترفع رأسها عاليًا لتحاول تجاهل وجوده فوق سريرها الذي أحيط بالمرفهات والهدايا التي ما زالت تتوافد عليها ويفتحنها الجواري تالين عنها ومن أين أتت، ولأن ذلك لم يجدي، والأبخرة التي تعبق في الغرفة وتخنق الصدور لا تخفي رائحة البحر وبطن الحوت، وضياء الشموع ضعيف، يكون العقد أقوى منها ويسقط على كل ما تراه، حتى على جفنيها المغلقين؛ فتغضب في لحظة خاطئة، تصرخ وتهتز بغضب حين كانت الجارية تصف لها نعومة الحرير الذي أتى به ابن آل ألوان؛ فألجمت الأفواه، وأشارت حسناء عليهن بالرحيل؛ ففعلن. لم تكن طوابير الهدايا قد انتهت بعد، كما سلسة الكوابيس التي تتوالى عليها توالي القلق الذي يأكل دماغها ويقذفها بين أمرٍ وأمرٍ.

خلت الغرفة من الجواري حاملات الهدايا، وبقيت حسناء إلى جوارها. رأتها بغير ما يشبهها، شعرها البني يتدرج إلى ظلمة غربيب مع عينيها اللتان لا تبصرانها. كانت الأميرة غريبة عليها هذه الأيام؛ طالعتها بأسف، لأنها اعتقدت أنها رأت سوداوية العالم خارج حصون قصر القباب، وازداد اللين فيها حتى جثت عند حواف السرير حيث أفضت إليها 'شَدْوَة' في كلمات تذوب نحو الهدوء:
-دعيني أسر إليك بسرٍّ.

سكنت قليلًا، الظلال تراقصت وازداد حجمها على جسدها إذ استرسلت:
-أحقًّا لا ترينَ ما أرى؟

-وماذا ترين يا جلالتك؟

لم تجبها.

-إن كنت ما تزالين تبصرين يوم اختفائك فذلك لن يدوم، تدريجيا سيذوب مع توالي الأيام.

تنهدت، وألقت جسدها تستلقي، ولطراوة سريرها أخذ يتمايل بها فحسبت أنها تغرق فتقلصت، وارتجفت حتى بلغت يد حسناء ناصيتها تمسح عليها إلى شعرها، مرارًا وتكرارًا، حتى أحست بالسكينة إليها؛ فتحت عينيها لتنظر إليها، فيهما بنٌّ جميلٌ يقطرُ حنانًا من عسلٍ تداعبه الشمس، وشجرةٍ جذوعها رطبة بماء المطر.

السقوط من الأرضWhere stories live. Discover now