ندوبٌ لا تُمحى

150 7 2
                                    

وسط هذا الظلام الكامن، تستحضر ذاكرتي صورًا من ماضٍ مضطرب، تتسلل إلى وجداني كأشباح مؤلمة. أتذكر ضحكاتٍ مفقودة، وأحاديثٍ ترتسم في ذاكرتي كأثر بالغ الوضوح على سفوح الجبال العالية. تتجلى أمامي وجوه أحببتها ورحلت، تاركة خلفها أثرًا لا يمحى في قلبي. همسات الوداع لا تزال ترن في آذاني كصرخات مكتومة تنادي على ضفاف اللامنتهية.

في قفصِ الظلامِ، تترنحُ أفكاري بين أروقة اليأس وأروقة الأمل المنخفض. أحاول البحث عن نقطة ضوء تبث الدفء في هذا العتمة الكئيب، ولكن يبدو أن الظلال تمتص كل شيء حولي.

الحقيقة المرة تتكشف ببطء أمام عيني، والوحدة تمتزج بالألم لتشكل رقصة مظلمة في عتمة الليل. كلما حاولت الهرب من هذا الزنزانة الشديدة الحراسة، كلما عثرت على جدران أكثر ارتفاعًا وأكثر سمكًا.

ومع كل نسمة تحاول أن تتسلل إليّ من خلال شقوق الظلام، أجد نفسي محاصرًا بين حوافر الوحشة وسكاكين اليأس. ومع كل نبضة تخترق صدري، يتجدد الشعور بالعجز والضعف، ويتلاشى الأمل تدريجياً كقطعة من الورق تحت نار الشمس الحارقة.

في خضمّ صراعٍ داخليٍّ مُضنٍ، تائهةٌ بين الوجودِ واللاوجودِ، تُحاصرُني مشاعري في قفصٍ من الظلامِ.يُسلّطُ الضوءَ على زوايا نفسي المُظلمةِ، يُعرّي دوافعي المُخيفةِ، ويُحلّلُ رغباتي المُريضةِ.

في قفصِ الظلامِ، تُصبحُ مشاعري وحوشًا مُفترسةً، تُمزّقُ روحي، وتُلتهمُ آمالي.

الوجودُ سجنٌ مؤبدٌ، حُكمٌ بالإعدامِ البطيءِ، ورحلةٌ مُظلمةٌ نحو اللاشيء

اللاوجودُ هُروبٌ من عذابِ الوجودِ، غوصٌ في ظلامٍ أبديّ، نسيانٌ لذكرياتٍ مؤلمةٍ. فتصبح الوحشةُ رفيقةَ دربي، تُشاركُني طعامي، وتُشاركُني سريري، وتُشاركُني أفكاري.

الصمتُ يُصبحُ لغتي، أُعبّرُ به عن مشاعري، وأُترجمُ به آلامي، وأُحاورُ به ظلامي.

الدموعُ تُصبحُ غذاءً لروحي، تُروي ظمأها، وتُنعشُ جسدها المُنهكَ.

الألمُ يُصبحُ صديقي، يُشاركُني أحزاني، ويُخفّفُ من وحدتي، ويُؤنسُني في ظلامي.الموتُ يُصبحُ حلمي، يُخلّصُني من عذابِ الحياةِ، ويُريحُني من آلامِها، ويُغرقُني في ظلامِ اللاوجودِ.في قفصِ الظلامِ، أنتظرُ فجرًا لا يأتي، وأُنشدُ لحنًا حزينًا، وأرقصُ رقصةً مُظلمةً.

في كاتدرائية القديس باسيل، أجلس على أحد الدرج الخشبية، أحدق في الصليب المعلق على الجدار. صمت يخيم على المكان، لا صوت سوى صوت أنفاسي المتقطعة.

أرفع يدي ببطء كعادتي المتكررة في إيطاليا، أدعو للخلاص لكل من أرسلتهم إلى الجحيم باسم الرب. أدعو لوجود المزيد، فروحي أصبحت جشعة، ترغب في المزيد والمزيد دون توقف. ترغب في سفك الدماء وسماع أصوات الصراخ.

الملاك الساقط _ fallen angelWhere stories live. Discover now