مرحبا بك في مداهيل قلبٍ ما وطاه إلا أنت
يا أغلى من وطى حبه.. جاك قلبي وشريانه
~
-عند فهد ووطن
وطن بدأت تفتح عيونها ببطء... ثقل في جسمها ودوخة خفيفة تخنق وعيها، أول شيء لمحته كان السقف، وبعدها حركت رأسها شوي، عشان تكتشف إنها في سرير المستشفى، وجنبها جهاز مراقبة النبض، وصوت التنفس المنتظم
شعورها مو طبيعي... فيه فراغ غريب ببطنها، لحظة!
ولدّت؟!
شهقت بصوت خافت، حاولت تقوم لكنها تعبت، وكل عرق فيها يحس بتعب، لحد ما...
قدّامها، على كرسي متحرك، فهد
وجهه شاحب، واضح عليه أثر العملية، المغذي بيده، وتعب ملامحه يقول إنها مو مجرّد ليلة مرت... لكن مع كل التعب، يبتسم ما شافته من زمان... دفء، أمان، ودموع قريبة من النزول
وفي حضنه...
طفل، ملفوف ببطانية ناعمة، ووجهه مثل القمر، نايم بهدوء، على صدر أبوه
وطن تمتمت:فهد...؟
فهد ابتسم، ببطء، وكأنه ما صدق إنها صحت بصوت متقطع من التعب:
الحمد لله على سلامتك يا وطن...
عيونها طاحت على طفلها، وقلبها شهق قبل صدرها، دموعها نزلت بلا إذن، ويديها ارتفعت، كأنها تستجدي تشيله
فهد قرّب، وبهاللحظة، شعور عجيب غزاها، لا هو خوف، ولا هو فرح، شيء يشبه الحياة بعد موت، والضوء بعد عتمه
فهد ابتسم بحنان، ورفع عيونه لوطن،و بصوت خافت لكنه مليان بالحب والأمل:
سميناه غيث
وطن سألته بدهشة:غيث؟ ليش غيث؟
فهد أخذ نفس عميق،واردف:
غيث يعني المطر اللي ينزل بعد فترة جفاف، يروي الأرض ويحييها من جديد... هو رمز للبدايات الجديدة، والأمل اللي يجي بعد التعب والانتظار مثل ما إحنا الحين، بعد كل العواصف اللي مرينا فيها، جتنا فرصة نبدأ من جديد، نروي حياتنا بحب وأمل
وطن ابتسمت بدموع فرح،
بعد دقايق وطن نظرت لفهد بعيون مليانة قلق، همست بصوت ضعيف:
وش صار على وسن؟ كيفها الحين؟
فهد رفع يده بحنان، ومسح على رأس الطفل،و نظر لوطن بابتسامة:
وسن الحمد لله بخير، بعد العملية
وطن حسّت راحة في صدرها، بس همومها ما راحت تمام، همست:
أنا أبي أشوفها، أشوفها وأطمن عليها
فهد:إن شاء الله، أول ما تقدر تقوم،بتروحين لها-عند سطام وهيام
سطام حضن هيام، رغم البرودة اللي في عيونه، كان فيه شيء بداخله يحاول يرد الجميل مايبي يكسرها، يحاول يشبك ذاكرته الضائعة مع الشعور اللي ما زال ينبض في قلبه لمّا نامت بحضنه، جسمها صار هادئ، تنفسها صار منتظم، وكأنها رجعت لملاذ آمن، رغم كل الضباب اللي محيط بعقله
وقف فجأة بحذر، ما بغى يزعجها، بس كان يحتاج لحظة يطلّع فيها أفكاره وقف وهو يتأمل ملامحها وهي نايمة، كيف، كيف أهدأ حركات أنفاسها، ودفء شعرها اللي ينزل على كتفه كان نفسه يقدر يرجع الوقت، يسترجع كل الذكريات اللي ضاعت منه، كل اللحظات اللي جمعته فيها، بس عقله كان فاضي، ما قادر يملأ الفراغات
وقف سطام عند طرف الكنبة، عيونه على وجهها، كأنه يحاول يحفظ ملامحها في ذاكرته المبعثرة، يحاول يصنع رابط جديد بين ماضيه الضايع وحاضره اللي قدامه... عيونه بدت تلين،
انحنى شوي، بهدوء، كأنه يخاف يكسر الهدوء اللي يلف الغرفة... مرر أصابعه برقة على خدها، من طرف وجهها لين وصل حول ثغرها... تنهد، وكل لمسة منه كأنها تتكلم ألف كلمة ضايعة، أصابعه كانت تمشي على ملامحها كأنها تقراها، كأنها تحفظها، كأنها تدور عن شي كان يومًا جزء منه
قلبه كان يدق... يدق بطريقة مختلفة، مو خوف، لا، كان شيء يشبه الرجعة... يشبه إحساس إنك تلمس قطعة من قلبك كنت فاقدها
رفع راسه شوي، وشاف الطاولة الصغيرة جنب الكنبة، وشدّ نظره فنجال قهوة صغير، عليه طبع من أثر روجها الاحمر... نظراته عليه، وتنهّد بضحكة خفيفة ما بين الحزن والضحك، بصوت هادي، كأنه يهمس لأثرها:
واحسد كاسات تقبل ثغرها
رجع بنظره لها، يده لسى تمشي على ثغرها، يمرر إصبعه بحنية حول شفاهها الناعمة، نظرة غريبة في عيونه، كأنه يتمنى يعرف كل الأسرار اللي هالشفايف اردفت بها، كل الضحكات، وكل الهمسات
رجع وقف، مشى للزاوية، أخذ اللحاف، وغطّاها بحنية كأنه يحضنها من جديد... عدّل طرفه على كتفها، ووقف يتأملها لثواني، تنفّس بعمق، كأن ريحة وجودها تهدي كل شي داخله
يده كانت ترتعش بخفة، يمكن من أثر الصمت الطويل، أو من شعور مو قادر يعرّفه داخله حرب، بين ذاكرة خذلته، وبين إحساس يصرخ: هذي لك، ليه تنساها!
