(10): دار القضاء

248 12 0
                                    

ما هي إلَّا هنيهة حتى انفتح الباب بغتة ودخلت الملكة بثوبٍ عاميةٍ، ثم ارتدَّت مذعورة لما وقعت عيناها على عيني أفريدوس، وأجفلت إذ رأت عذاره، وترنَّحت واهية القوى، وأما أفريدوس فبهت واختبل؛ لأنه لم يكن البتة يظن أن الملكة تأتي إلى دار القضاء للتحقيق.

وبعد لأيٍ قالت وهي تتبينه: ويحي. أأنت المعتقل؟

فقالت أفريدوس: بلى، أنا هو الذي لم تجد الملكة أفضل وسيلة لنبذه إلَّا أن تلقمه لأنياب القضاء العاتي.

فحملقت فيه ذاهلة: ويلي! وأغلالٌ في يديك وعنقك؟

وأمسكت السلسلة كأنها تتحقق.

– نعم، هذا هو جزاء اليدين اللتين كانتا تضمان هذا الهيكل الملائكي إلى الصدر المتدفق غرامًا لكي يرتوي من سعادة الحب الطاهر.

فقالت الملكة متفجِّعة: وسجن أيضًا في كنِّ المجرمات؟

– وهل غير كنِّ الكلب أليف للعاشق الذي جعل صميم فؤاده سريرًا للملكة تتقلب فيه على وثير الحب؟

فقالت وكأنها لا تفهم ماذا تقول، وجالت كالمجنونة: أيمكن أن يكون هذا قضاء الهيكل؟

– يا للمكر، أتعزين هذه النقمة لقضاء الهيكل، وأنا ماثل في دار قضائك أستوحي كيوبد إلهي أن يلهمني أجوبة التمويه التي لا تستفيد منها سيدة القضاء شيئًا يقرب الظن إلى الملكة.

فقالت وقد لطمت خديها وتركت كفيها عليهما: وا حرباه أهو الغدر الغشوم أم غضب الآلهة؟

– لا هذا ولا ذاك، وإنما أتخمت الملكة من وليمة الحب، فرامت أن تغير ألوان الطعام، فقذفت بالبقية الباقية من طعام الوليمة إلى دار القضاء لكي تحرقها هذه في فرن الإجرام.

– صه، كفى تقريعًا لي في إبان أزمتي ويأسي.

– وي! أزمة؟ حبيب الملكة العزيز بالأمس أذل المجرمين اليوم، وهو يهيأ ليقدم أضحية على مذبح الانتقام من ملاك الغرام.

صمتًا عن هذا العتاب المر، كيف اعتقلت وعهدي بك في قصر الصيد تنتظرني.

– إذا كنت غبيًّا صابرًا على وعدك لموافاتي إلى قصر الصيد فقلبي ليس غبيًّا، ولا يطيق صبرًا. وإذا كان جسمي طينة حقيرة لا تشعر بالذل، فنفسي سماوية لا تحتمل الهوان. وإن كانت سلالتك ملكية، فسلالتي الكهنوتية ليست أحط منها. ما كان إقصائي عنك يكلفك سوى إعراضة واحدة، فلا تعودين بعدها ترين وجهي إلى أن أقضي بداء غرامي المبرِّح.

– ويك، حسبي هذه الكارثة، فلماذا تضاعف وقرها على نفسي بهذا التقريع؟ قل أين اعتقلت؟

– على جسر نهر ترمودون.

– وكان القمر …؟

– في إبان خسوفه.

فترنحت الملكة وهي تقول: ويحي، ويحي، الويل، الويل … ما الذي جاء بك إلى الجسر، وقد أمرتك أنت تنتظرني في قصر الصيد.

دولة سيدات في مملكة نساء ✔حيث تعيش القصص. اكتشف الآن