(12): قصر الملكة

243 11 0
                                    

نعود بالقارئ الآن إلى قصر الملكة، وندخل به إلى بهو رحيب مستوفي الرياش كما يمكن أن يتصوَّر القارئ قصر ملكة، والشباك المطل على حديقة غناء يسرح فيها النظر بين نجوم الأرض، ثم نجوم السماء في الليل، وشمس النهار صارت فوق الأفق، ولو كان لفلكي ذلك الزمان منظار عظيم يقرِّب مسامير السماء لرأى القمر مظلمًا على مقربة من الشمس، ويكاد يهجم عليها هجوم العاشق على حبيبته.

من ذلك البهو باب خاص يدخل منه إلى حجرة الملكة، وفي هذه الحجرة كانت الملكة جالسة على مقعد طويل عريض.

وقد دخلت عليها جورجيا أولى الوصيفات، وقالت: إن أوجستينا سيدة القضاء تستأذن بالامتثال.

فأمرت أن تدخل، وقالت لنفسها: ما وراء هذه الداهية من خبر شؤم.

ودخلت أوجستينا وانحنت، فتصنعت الملكة الابتسام وقالت: هل اقتلعت ولو حصاة من مخ ذلك الشاب الهرم الذي يدعي أن له حبيبة لاجئة إلى بنطس؟

– ليس في ذلك المخ المائع إلا صلصال لا يصلح للبناء.

– أما عرفت من أي طينة ذلك الصلصال؟

– لا أرى إلَّا أنه من طينة الأكواخ.

– مهما كانت طينته قذرة، فلا بد أن تكون ذات سلالة، أما تفل اسمًا له؟

– بل تفل اسم سدرون، وهم اسم أفرغ من عقم أمله بالعثور على حبيبته اللاجئة إلى بنطس.

– ألا يمكن أن يكون هو القمر الساطع المقصود بنطق الهيكل؟

فقالت أوجستينا كاظمة ضحكتها: مولاتي، لم يكن جو بنطس مظلمًا في زمن من الأزمان كما هو مظلم منذ طلع هذا القمر الأسود.

– لا يعني نطق الهيكل سواه، فيجب عصره في التحقيق إلى أن يتضح كل ما في صدره من أسرار.

– مولاتي، يستحيل أن يكون هو المقصود بنطق الهيكل، وإلا لقبضت عليه الشرطيات. إن نطق الهيكل أصدق على الفتى ذي العذار منه على ذلك الشاب الدميم، فإن كان ممكنًا نحت تمثال لمكيدة من هذا الشخص الدميم فمن ذي العذار ينحت برج مكايد.

فامتعضت الملكة وقالت متجهمة: لقد أفرغت جعبة الحيل في استخراج أسرار ذي العذار، فوجدت مخه رقًّا منفوخًا خاليًا إلَّا من الطيش والحمق والرعونة.

فهزَّت أوجستينا رأسها هازئة وقالت: طبعًا لا تصدقين جلالتك تظاهره بالنبالة، فإن وراء الأكمة ما وراءها.

ثم قدَّمت لها رقًّا وقالت: تفضلي يا مولاتي، شرِّفي وثيقة الحكم بإعدامه بإمضائك الشريف.

فذعرت الملكة من هذه المفاجأة، وقالت: ويك، لماذا هذا التعجل، وإلى الآن لم يثبت الجرم على الفتى؟

– ذلك أمر جلالتك وقد تسجل الحكم.

كادت الملكة تتفتت من شدة الغيظ، وبذلت مجهودًا عصبيًّا عظيمًا في كظم غيظها. وفكرت في إبان يأسها، ثم قالت مرتبكة: لم يزل عندنا متسع من الوقت للتحقيق معه عسى أن نبلغ إلى ضميره.

دولة سيدات في مملكة نساء ✔Where stories live. Discover now