الحلقة3

10.6K 192 3
                                    

وقف أسفل شجرة المانجو الضخمة يفرك يديه ببعضهما ثم يرفعهما بالقرب من فمه لينفث فيهما أنفاسه لعلها تبعث بعض الدفء، رأته من على بعد وهو يسير ذهاباً وإياباً، تبسمت وهي تقترب هامسة: أسفة لو اتأخرت عليك بس عقبال ما عرفت أخرج من البيت واتأكدت إنه الكل نام

اقترب منها متناسياً برودة الجو وابتسم: ولا يهمك أنا مستعد أقف ١٠٠ سنة من غير ما أزهق أو اشتكي المهم إني هأقابلك

ابتسمت بخجل، حاول أن يرفع الحجاب ليظهر وجهها لكنها نفرت إلى الخلف في فزع، قال مهدئاً: ما تخافيش أنا بس كنت عايز ارفع الطرحة دي عشان أشوف وشك .. ما تعرفيش وحشني قد إيه

تلفتت حولها بقلق ثم رفعت الحجاب مظهرة وجهها الذي أضاء بسبب ضوء القمر المسلط عليه فبدت كحورية قد هبطت من الجنان، رغم أنها من أقصى الصعيد إلا أنها تمتلك بشرة بيضاء ناعمة كالأطفال بسبب قلة تعرضها لضوء الشمس - فمن غير المسموح لها الخروج إلا في أضيق الحدود- عيونها البنية تلألأت نتيجة للحب الممزوج بسحر ضوء القمر كذلك البسمة الناعمة على شفتيها الكرزيتين؛ كل ذلك أضفى عليها سحراً خرافياً.

همس لها ولهاً: وحشتيني

نظرت أرضاً بخجل قائلة بصوت بالكاد سمعه: بس ..، ماينفعش اللي أنت بتقوله دا

ابتسم: طب طمنيني عنك .. أخبارك إيه ؟

هزت كتفيها: عادي زي كل يوم أردفت بقلق: أنت طلبت تشوفني هنا وفي الوقت دا عشان تسألني على أخباري ؟

تنهد: لا، بس كنت عايز أقولك إني طلبت إيدك من أبوكي

لمعت عينيها بسعادة: وإيه اللي حصل ؟

- رفضني

سألته بحزن: ليه ؟

- عشان يتيم وماعنديش لا أب ولا أم، شغلي مش ثابت يعني إنهارده بأشتغل بس بكره يا عالم

- بس دي أرزاق بإيد ربنا، وأهلك مالكش يد ف موتهم

- قولي لأبوكي الكلام دا مش ليا أنا

زفرت بقوة: دا على أساس إني لو قولتله هيغير رأيه يعني تابعت وهي تنظر له برجاء: طب وهنعمل إيه دلوقتي ؟

اقترب منها ولكن عندما لاحظ تراجعها تنهد متوقفاً: مافيش غير حل واحد

سألته بلهفة: وإيه هو ؟

أجابها لهجة قوية كأنه لا يوجد أمامهما حل أخر: إننا نهرب سوا يا حياه !

*******

انهى عشاءه دون أن يشعر بأي مذاق خاص له،كل شيء أصبح بلا طعم منذ اكتشافه حقيقة من أحبها قلبه، تنهد بقوة لقد تسببت في كرهه جنس النساء بأكمله، لم يعد يثق بأي امرأة سوى والدته .. حتى شقيقته لا يثق بها أيضاً مما يراه يحدث بينها وبين زوجها، يتعجب في كثير من الأحيان من قدرة فادي على تحمله لشقيقته، تلك المدللة التي ما تنفك تذكره بجميل والدها عليه، إذا كان في محله لكان تخلى عنها منذ أمد.

أفاق من أفكاره على صوت دقات خجلى على باب غرفته، اتجه ليفتح الباب فوجد شقيقته الصغرى بملامحها الطفولية التي يشوبها بعض الخوف.

نزل لمستواها وأمسك ذراعيها، ابتسم متسائلاً: إيه اللي مصحيكي لحد دلوقتي يا مي مي ؟

تجمعت الدموع في مقلاتيها بغزارة وهي ترفع ذراعيها عالياً لتريه مدى كبر ما رأت عيناها الصغيرتان، فهم أنها رأت ما أفزعها فابتسم بحنان وضمها إلى صدره: ما تخافيش، أنا معاكي.

نظرت إليه بشك ولاحظ هو نظرتها تلك فعقد حاجبيه متسائلاً: إنتي عندك شك إني أقدر أغلب العو وأخليه هو اللي يخاف مني ؟

أومأت مؤيده لكلماته، أبعدها عنه واقفاً في مكانه واسند جبينه بقبضة يده كعارضين كمال الأجسام أو كما يفعل بعض المصارعين قبل صعودهم لحلبة المصارعة.

نظر إليها وسألها بتحدي: لسه عندك شك بردو ؟

ابتسمت بسعادة وهزت رأسها مخرجة أي شك كان متواجداً بها، حملها بين ذراعيه وتوجه بها إلى خارج الغرفة ولكنها أبت ذلك متشبثة بباب غرفته.

نظر إليها متعجباً سلوكها، تبادلا النظرات قليلاً فأدرك مدى خوفها الذي يشتعل بداخلها جاعلاً إياها ترفض النوم بمفردها، تنهد بثقل: عايزة تنامي جنبي يعني ؟

أومأت بتردد، قبل رأسها ووضعها في سريره ثم اندس إلى جوارها وظل يداعب خصلات شعرها الذهبية حتى غطت في سبات عميق.

بعدما تأكد من استغراقها في النوم اعتدل في نومته عاقداً ذراعيه أسفل رأسه وعينيه تتأملان السقف في شرود، بدأ يتحدث بصوت مرتفع: تعرفي إني بأثق فيكي إنتي كمان، يمكن عشان بريئة ولسه الدنيا ما لوثتكيش زي غيرك، يااااااه لو تفضلي بريئة ونضيفه من جوه كدا على طول ... ههههههههه بس دا مش ممكن، مافيش واحدة بريئة في الدنيا دي،كلكوا خاينين ومايهمكوش غير مصلحتكوا.

ارتفع أذان الفجر معلناً اقتراب سطوع شمس يوم جديد، نهض ليتوضأ ويأوي إلى فراشه بعد أداء فرضه حتى يستطيع تحمل تلك المسافة التي تفصل بين القاهرة وقنا بالإضافة إلى بدءه العمل فور وصوله.

*******

يلا عاوزة اشوف رأيكوا

رواية رزقت الحلالWhere stories live. Discover now