الحلقة 9

4.9K 110 5
                                    

جلست مع أخواته يتسامرن حتى عودته، جميلة ما زالت تنظر لها بكره لا تعلم سببه ونيفين الشفقة لا تفارق عينيها بينما فتون أكثرهن قرباً منها، تحدثها وتداعبها باستمرار. وصل شادي أخيراً، استقبلوه بترحاب، بعد بعض الوقت طلبت منه حياه أن تحادثه على إنفراد.

صحبها إلى غرفة المكتب، وقف ينتظر حديثها لكنها شعرت بهروب الكلمات من فوق لسانها كلما جمعت بضعة كلمات حتى قالت: شادي .. أنا ...

- إنتي إيه ؟

- أنا مش عايزه أكمل معاك

انتصب في وقفته مرهفاً مسامعه وسألها بهدوء حذر: إزاي يعني مش فاهم ؟

ضمت قبضتيها بشدة قائلة بارتباك: بص يا شادي .. أنا كنت فاكره نفسي بحبك بس .. بس قعدت مع نفسي وفكرت كتير لاقتني مش كدا

بغضب مكتوم سألها: وإنتي قدرتي توصلي لكدا إزاي ؟ بين ليلة وضحاها ؟

- لا أنا كنت بأقول لنفسي إنك لو مش عايز تتجوزني أنا هأمشي ومش هأتقل عليك أكتر من كدا .. يعني فكرت ف الفراق ومع ذلك... هزت كتفيها متابعة: ماحستش بحاجه .. ماحستش إني ممكن أموت لو بعدت عنك أو إني مش هأتحمل بعدك

ضيق عينيه بشدة وهو يكز على ضروسه: والعمل دلوقتي ؟

قالت بحماس دون أن تلحظ ردود أفعاله: ترجعني البلد عند أهلي تاني، ولو مش هتقدر وصلني لأقرب محطة وأنا هأتصرف

اقترب منها رويداً بخطوات هادئة متساوية كما يفعل الأسد قبل الإنقضاض على فريسته وعينيه تطلق شراراً أصابها بالشلل، همس: إنتي فاكره إنه دخول الحمام زي خروجه ؟ .. ولا فاكره إني ممكن أسيبك تطلعي م البيت دا ؟؟؟

نظرت إليه برعب حقيقي لأول مرة تشعر به في حياتها، تمتمت بصوت متحشرج: قصدك إيه ؟

أغلق باب الغرفة بالمفتاح ثم استدار إليها مقترباً منها: قصدي إن إنتي خلاص بقيتي ملكي، بتاعتي وبس .. دا بيتك من هنا ورايح

هزت رأسها بهستيرية وهي تتراجع للخلف: بس أنا مش عايزه

قبض على ذراعيها بقوة، رجها بشدة قائلاً بعنف: ما هو مش بمزاجك يا قطة !

جذبها إليه بعنف وبدأ في تقبيلها بأماكن مختلفة من وجهها، حاولت دفعه ولكن هيهات أن يتأثر الثور الهائج بخربشات قطة. نزع عنها حجابها بالقوة، أمسكته تكافح للتشبث به لكنه بالنهاية استطاع أن ينزعه، دفعها أرضاً مثبتاً ذراعيها فوق رأسها، تصرخ بأعلى صوتها وما من مجيب.

ضحك بقوة ووحشية: مهما صرختي ماحدش هيساعدك، كل اللي هنا ماحدش منهم يقدر يقولي لا .. ولا حد فيهم يقدر يمنعني عنك .. فالأحسن تقبلي بمزاجك بدل ما يبقى غصب عنك!

تضرعت إليه باكية دون التوقف عن المقاومة: حرام عليك، سيبني .. بص خليني أمشي وأنا هاعتبر إنه مافيش حاجه حصلت ومش هأقول لحد على حاجه .. بس سيبني

سجن فكها بين أصابعه وقال مشدداً على كل حرف من كلماته حتى يضمن أنها استوعبت حديثه بشكل كامل: إنتي خلاص ما بقالكيش خروج من هنا

تابع ما كان يفعله وعاد صرخاتها للتصاعد من جديد، مزق ملابسها وهي تحاول الفكاك من بين قبضته. بدأ جسدها يتهالك من المجهود الذي مارسته عليه ولكنها أبت التوقف عن المقاومة، دموعها تزداد إندفاعاً وظلت تردد بقلبها كلمة "يا رب"

حتى لم يبق في وسعها قوة لتمتمة خافتة حتى... استجمعت بعض قوتها وضربته بساقيها بينما يحبس ذراعيها في كفه، ما من جدوى مما تفعله فقد سيطر عليه الشيطان وجعله لا يتأثر ولا يشعر، يحاول الوصول لهدفه فقط. تعالت صرخة مدوية على حين غرة ... فلقد تم الأمر ولم يعد هناك من مرجع.

*******

رصت طعام العشاء تتشاركه مع جدتها لكن عقلها مازال شارداً في تلك الطفلة التي جار عليها الزمان، تتجرع  كؤوس الوجع قبل أن تتعلم طريقة إمساكه بكفوفها الدقيقة.

لاحظت الجدة شرودها ولكنها لم تحاول الاستفسار منها عن السبب، إذا أردت ستأتي لتروي لها دون ضغط.

كانت خيالاتها تأخذها إلى أي مدى ستعاملها زوجة والدها بقسوه، لم توقف القوي عن رحمة الضعيف والكبير عن العطف على الصغير؟، صار الظلم منطق الحياة والقهر سر لذتها.

لقد قرأت ذات مرة أن الظالم يظلم لأنه يحس بالمتعة في ظلمه كهتلر الذي كان عاشقاً للسيطرة والتحكم.

عندما توقف الناس عن استشعار مراقبة الله في كل عمل يقومون به، انتشرت جميع الصفات التي جعلت مجتمعنا في طريقه أن يصبح شبيهاً بديستوبيا .. هذا إذ لم يكن قد صار بالفعل.

خطر على عقلها فجأة .. ماذا إذا كانت ابنتها تشعر بنفس تلك المعاناة، تحيا الآن بين أشخاص فاسدون، تتجرع الظلم وتتذوق مرارة الألم.

لحسن الحظ أنهم انتهوا من العشاء، هربت لغرفتها تعبث بأحد الأدراج تخرج منه ثوباً زهري اللون، ضمته بشوق ولوعه إلى صدرها، تتلمس رائحة صغيرتها بين أنسجته، انكبت دموعها تغرقه وقلبها يتضرع إلى ربها ..

"فلتحفظ طفلتي أينما كانت، أرزقها من يحبها ويحميها، يحنو عليها ويسقيها العاطفة التي لم أستطع أن أمنحها إياها".

لماذا يا الله تحرمني من طفلتي بينما الآخرين ينعمون بدفئ ضمتهم، لقد تزوج خليل بأخرى لما هي تقبل خد صغيرتها كلما شاءت وأنا حرمت من بهجة رؤيتها ؟؟

استفاقت إلى حالها، استغفرت ربها راكضة مسرعة إلى حمامها تتوضأ والاستغفار لا يترك لسانها، سجدت إلى ربها باكية متأسفة، تتوسل إلى ربها أن يسامحها، لقد أضعفها شيطانها ولكنها قفزت عائدة لرشدها.

بدأت تدعو متضرعة: أسفة يا ربي ... سامحني وأغفر ذلتي، لا أعترض على مشيئتك فأنت أرحم الراحمين، أرؤف بقلب أم مكلومة حزينة لفراق طفلتها، فتك الشوق بقلبها الضعيف.

أنتهت راقدة على سجادة صلاتها وثوب صغيرتها يستكين بين أحضانها كأن الملابس تعبر عن شوق صاحبتها في الحصول على هذا الحضن الدافئ.

*******

رواية رزقت الحلالWhere stories live. Discover now