ترقية و موقف غريب!

2.9K 280 21
                                    

صوت صفير الريح، الهواء العليل و الصحراء القاحلة الباردة، انه المكان الوحيد الذي يتوق ان يكون فيه الآن؟!
كلما تذكر كلماتها تلك
"كفاك نفاقاً!" قالت نجمة و أكملت :"لا أعرف لماذا!؟ و لكن اشعر انك لا تحب والدي بل انك لا تحب احداً، كما انني استطيع ان اشعر انك تخطط لشئ كبير لا أعلم اني فقط لا ارتاح لوجودك بالقرب من والدي"
قهقه بخفة و هو يغلق الكتاب الذي أمامه، كان من المفترض ان يغضب من كلامها ذاك و لكن على غير العادة اضحكته تلك الطفلة! فهي قد قرأته بدقة عجيبة، تبدو شكوكها مضحكة و مبالغ فيها بالنسبة للناس فالسيد سلطان الهلالي طالب جمال الراشدي قاضي القضاة، الشاب الشريف الطيب ذا المستقبل الواعد لا يمكن و يستحيل ان يكون شريراً و لكن الحقيقة هي نظرة نجمة لسلطان.
تركها خلفه في السوق بعد كلماتها تلك بعدما انفجر ضاحكاً في وجهها جعل وجهها تنقلب الوانه من الغضب و عيناها العسليتان تحولتا لكرتين ناريتيين من شدة غضبها، اعتقدت انه استهزئ بقدراتها و لكن في الحقيقة هو كان مصدوماً من وصفها الدقيق للأمور توقع ان تكون مجرد طفلة مدللة بلهاء و لكنها صدمته ! كانت جزء من خطته العظيمة و لكنها الآن خارج كل الحسابات .

غضب نجمة ذاك من سلطان الهلالي جعلها غاضبةً بقية اليوم، كانت من المفترض ان تكون سعيدة فقد انتصرت على وردة و صويحباتها و لكن هيهات ظهر لها سلطان من اللامكان و عكر لها مزاجها، جلست نجمة في مخبأها السري فوق السطوح غاضبة غاضبة جداً،لا يوجد كلمات في هذه الدنيا قد تصف مدى عضبها، لم تكن نجمة سعيدة بمخبأها ذاك!، فوالدها علم به منذ البداية و لم يعلق عليه، فهو ليس ضد شغف ابنته ابداً و لكن يريدها ان تهتم بالأمور الأخرى غير شغفها، و هي بخطتها تلك حيث أنها حاولت ان تنخرط في مجتمع المدينة الراقي جعلته لا يستطيع الإعتراض و لكن لو علم برحلاتها السرية لمنعها من الخروج من المنزل! نجمة تدرك مدى خطورة ما تقوم به و هي لا تريد ان تحزن والدها و لكن الأمر يستحق العناء في نظرها.

بالرغم من ذلك باتت لا تحب مخبأها الجديد فهي لا تستطيع ان ترى النجوم بشكل جيد من خلاله،
كانت في تلك الفترة قد اهتمت بدراسة علم الحيل و الفيزياء و القليل من الكيمياء و الرياضيات بالإضافة للفلك فوجدت في كل تلك العلوم متعة تشبه متعة دراستها .
فقد كان علم الحيل لوحده عالم واسع، لم تتخيل ان مجيئها لقلعة سالم سيجعلها تغير توجهها و تفكيرها، بعد ان كان هدفها ان تعمل في المرصد أصبحت تطمح بأن يكون لها مختبراً تعمل فيه و تؤلف فيه الكتب التي قد تفيد الناس ، كانت تريد ان تصنع شيئاً يفيد الناس. لم يقتصر على الفلك فقط.
نظرت نجمة لمحيطها بعدما وضعت الريشة التي كانت تدون فيها زيجها الخاص بها كانت تكاد تنتهي منه و لكن لا تزال تشعر بأنه ليس كافي.
"تباً" صرخت نجمة بغيض

مر أسبوع هادئ بالنسبة لنجمة و حتى لسلطان، فهي لا تهتم ان كان سلطان شخص جيد او سئ المهم ان لا يؤذي والدها فقد عمدت نجمة بين الوقت و الآخر تحذر والدها من طالبه المفضل، و لكن بطريقة غير مباشرة و لطيفة، ليس لأنها تخاف من سلطان لا سمح الله و لكن لأنها لا تمتلك دليلاً ضده حتى حينما واجهته بحقيقته لم ينكر و لكنه لم يعترف. و لكن لم يكن ذلك همها فمرصدها و بحوثها الجديدة كانت همها فلم تكن تذهب كثيراً لدار العلم الكبير خوفاً من ان تصادف والدها و ايضاً كانت غاضبة من محدودية ما لديها، بثت كل همومها في رسالة لفردوس العزيزة، فكانت تنتظر ردها قريباً.
"نجمة ما بالكِ اليوم!؟" قال السيد جمال و هو يتناول عشاؤه
"لا شئ أفكر في فردوس لقد ارسلت إليها رسالة منذ أيام" قالت نجمة و هي تفكر
"تأخذ الرسائل بعض الوقت لتصل عليكِ بالصبر:" قال السيد جمال مشجعاً نجمة، و اكمل:" اوه صحيح في الغد لن أكون موجوداً وقت الغداء"
"لماذا!؟" قالت نجمة بإنزعاج
"سأذهب لقصر السلطان، ان الهلالي قد يترقى في عمله و يصبح كاتباً(١) في القصر" قال والدها شارحاً
"ماذا ؟! كاتب في قصر السلطان!" قالت نجمة بإنزعاج
"اوه يبدوا انني يجب ان ادعوا لسلامة الجميع من خبث ذلك الإنسان، على الأقل سيبتعد عن والدي قليلاً" قالت نجمة في نفسها
"أجل لقد اوصيت بإسمه للوزير سليمان اجده ينفع هناك، كما ان السلطان بهاء الدين سمع الكثير عنه من رجاله المقربين فكان متحمساً جداً حينما سمع بإسمه"
نظرت نجمة لوالدها بإنزعاج، كيف يستطيعون ان يثقوا به !؟انه ليس شخص صالح و هذا واضح و جلي امامها.
" ابي ربما لو ترشح طالبكَ الآخر يبدو أفضل للمهمة" قالت نجمة
"من حسن!؟" قال والدها و أكمل:" مع للأسف حسن سيغادرنا قريباً سيعود لقريته هناك سيتم تعينه مراقباً للوالي على المنطقة" قال والدها
"هل هناك وظيفة كتلك!؟" سألت نجمة
"أجل انه شئ اشبه بوالي الوالي" قال والدها و هو يضحك، و اكمل:" لا نستطيع ان نثق بكل الولاة ربما يظلمون الناس و نحن لا ندري"
قامت نجمة بتنظيف المائدة بعدما فرغ والدها من عشاؤه و جلست في الحديقة تتأمل السماء.

نجمة و المخادعWhere stories live. Discover now