الفصل الثامن

16.6K 305 12
                                    

لفت نظرها تلك الفتاه الرقيقة التي  تمشي بسرعة في بهو المنزل بشكل مريب جعلها تتبعها بخفه حتي لا تشعر بها تلك الفتاة....
وقفت  الفتاه في مكان مظلم نسبيا وقد علا صوت بكائها مما اثار القلق في قلب شمس لتقترب منها  بخفه وما كادت ان تلمس زراع الفتاه  حتي انتفضت الفتاه بفزع ونظرت برعب الي شمس وهنا لاحظت شمس ذالك التمزق طولي من احد جانبي الفستان .....
نظرت الي الفتاة بتركيز انها تعرفها ......
نعم انها متأكدة من ذالك.....
وجه الفتاة الصبوح هذه العينان السوداوتان والوجه الحنطي والشعر الأشقر كسلاسل الذهب.....
ذهب....
لمع الإسم في ذهنها فجأة....
دهب شقيقته الصغري التي تصغرها بثلاثة اعوام.....
خفق قلبها بعنف وقد بدأت افكارها تعود اليه لتعود وتطمسها وهي تتشاغل بالفتاة.....
لتسأل الفتاة بصوت هادء...
__ دهب مش كدا..... انتي دهب بنت عمي جابر.....
هزت الفتاة رأسها بإيجاب لتقول شمس متابعة....
:- انتي كويسة حصلك حاجة......
اجابت الفتاة بتلعثم خجل......
__ ا...اني بس وجعت وانشج فستاني.
ابتسمت لها شمس مهدئة..  
__ عادي مفيش مشكلة...... تعالي معايا هديكي فستان من عندي متخفيش كلو هيبقي تمام اوكي .
ردت دهب بسرعة وامتنان..
__ ربنا يخليكي....انا خجلانه جوي لحد يشوفني اكده .
__ طب تعالي معايا.
اخذتها شمس الي غرفتها  واجلستها علي الفراش وهي تنظر الي ملامحها الرقيقه المؤلوفه الي حد كبير ...
__ اقعدي هنا هجيبلك فستان من عندي...بس معرفش هتعرفي تخرجي بيه ولا لا اصل يعني....هو فستان سهره... .
__ انا هجول لخوي ياجي يروحني متجلجيش.
ما ان اتت بذكر شقيقها حتي عاد قلبها يخفق بعنف.. ...
عادت تبعد تفكيرها عنه لتقول.....
__ طيب لحظه وحده..
اقتربت شمس من حقيبتها واخرجت فستانا راقي ولطيف بالون البني المغزول بالذهبي علي شكل ورود تغطي الصدر واطراف اليد ويحيط الخصر بحزام عريض مزين بورده ذهبيه كالتي علي اطراف الفستان  ....ناولته لها لتقول الفتاه بدهشه وعيونها تلتمع  اعجابا..
__ واه واه يا ابوي دا  ولت فستان العروسه ...... حلو جوي  .
ابتسمت شمس بحنان ثم قالت...
__ ولا عروسه ولا حاجه...دا فستان عادي .....عجبك.
قالت ذهب بسرعه ....
___ الا عجبني......دا زين الزين كمان.
قالت شمس ببتسامه.....
__ طيب يا سيتي ..علي العموم مبروك عليكي .
__ يادي الكسوف.....لاه لاه انا لازم ارجعو  ليكي.
قالت شمس بلطف اخفي شجنها.....
__ بس انا مش عاوزاه مبروك عليكي.... وكمان مش هتلحقي ترجعيه لأني مسافره بكره بعد الفرح علي طول...
تابعت داخلها.....
( علي الأقل سيراه عليكي كأنه رأه علي انا...)
سمعت دهب تتسائل بتعجب.....
__ يا ابوي....لتكوني انتي  شمس بت عمي هاشم .
__ ايوه انا  ...بس مكنتش اعرف اني مشهوره اوي كدا..
قالت دهب بعتب....
_  ياه دا انتي بت عمي رغم ان اخر مره شفتك فيها مكتيش اكده..... اختلفتي جوي.... انا معرفتكيش..... اخر مرة شفتك فيها كت بت اربعتاشر....  وكما اهنه في بلدنا بيحبو الحديت الماسخ عمال علي بطال متخديش في بالك  ..... بس مجلتليش  هتسافري ليه  ليكون مصر احسن من عندينا .
ابتسمت شمس وهي تقول بشرود....
__ مفيش احلي من البلد هنا بس......انا عندي شغلي ولازم اكون فيه بكرا....
__ ياخرابي لتكوني ناويه تسافري بليل.
__ لا علي مالفجر يدن كدا .
__ توصلي بالسلامه يا رب.
قالتها بصدق حرك قلب شمس لتقول بحب وقد ضمت دهب لقائمت العائلة...
__ تسلمي يا حبيبتي .....
رأت انظار دهب تستقر علي تلك الحلقة الذهبية التي احاطت بنصرها الأيمن....
خفق قلبها بعنف لتتنفس بعمق وهي تقرأ سؤال دهب غير المنطوق الذي قررت تجاهله لتقول بهدوء.......
:- ....هسيبك بقي تغيري عشان ننزل.
تركتها شمس وخرجت بخطوات رزينه تخفي خلفها قلب يخفق بألم .....
وعقل يضج بالذكريات......
وجسد يرتجف......
استندت علي باب غرفتها  الخشبي تنظر الي الفراغ امامها بشرود بينما تلك الذكري تمر امام عينيها كالبرق  .....
رفعت كفها امام وجهها لتنظر الي الخاتم بحزن.......
  تتذكر صاحب هذا الخاتم الذهبي الذي مر عليه سنوات ولازال يزين اصبعها وكيف لا يزينها وصاحبه لازال يزين عقلها بذكراه ويزين قلبها الفتي بملامحه .....
( __ واه سيبو يا ليث.
__ لاه معسيبوش يا بت الجبل الرجاله مهيلبسوش سلاسل زي الحريم .....
ازعجتها كلماته لأول مره يزعجها ألا يراها امرأة لتقول بغيظ.....
:- بس اني حرمة يا ليث.....
اسودت عيناه بغضب وهو يشير الي ذالك السلسال المقيت.....
:- وجبلتي هدية من راجل غريب..... اجطم رجبتك دلوك ولا اطخك عيارين نار.......
كلماته علي الرغم من عنفها وقسوتها اطربت قلبها لكنها تمادت في تعذيبه وهي تقول بتضرع...
__  انت مش لسه جايل اني راجل خلاص انا راجل.... بس هات السلسال....  سيبهالي بجي ......عشان  ربنا سيبها  يا ليث.
ازدادت عينيه ظلمة ليقترب منها حتي وقف امامها ليقول بغضب.....
__ متترجيش حد واصل فاهمه.... والزفت السلسال دي مهتشوفيهاش واصل.
اخذ تلك السلسلة وغادر الا انه توقف ما ان سمع صوتها الاقرب للتوسل....
__ بس دي جياني هديه يا ليث .....اول مرة حد يجيبلي هديه ......هو انا مستهلش يعني يا ليث  .
نظر لها بتمعن ثم قال بقسوة ...
__ برضو مهتخديهاش يا شمس ولو سمعت انك جبلتي اي هدية من راجل تاني هجطع خبرك واصل..
وغادر صانعا موجه من الرمال احرقت عينيها كما احرق هو قلبها....
لقد كانت هدية من شقيق زميلتها والذي يصغرها بعامين ويعتبرها كشقيقته....
بماذا اخطئت حتي يعاقبها بحرمانها من لمحة المحبة التي قدمها لها شقيق زميلتا.....
في اليوم الثاني أتت بكل عنفوانها وقد قررت الحرب فهو لا يحق له نهائيا اخذ ما تمتلكه هي ...
سوف تسترد سلسالها منه وستمتنع عن رؤيته عقابا له..  
حينما وصلت وكادت تنطق فاجأها بأن امسك كفها الصغير بين اصابعه القويه واخرج من جيب جلبابه خاتما ذهبيا رقيقا والبسها اياه وهو يقول ...
__ الغالين  بيلبسو خواتم مش سلاسل كيف الكلاب ...و حسك عينك يا شمس تجبلي اي هديه من راجل تاني فهمتي حتي لو كان من خوكي خالد ...انتي مهما كان بت وليكي سمعتك..... .
نظرت له بعتاب قليل الا انه ابتسم وقال بحنان يغرقها دما به حتي بدون كلمات  ...
__ هاه عجبك الخاتم ....دا هديه مني ليكي........وكمان الي انتي عايزاه انا الي هجبهولك يا شمس فاهمه.
ابتسمت ايضا وهي تنظر الي الخاتم ثم قالت بفرحه.....
__ زين...زين جوي يا ليث دا يشبه الي في يدك بس الي في يدك فضه.
__ عشان الرجاله بيلبسو فضه والحريم بيلبسو دهب.... ويلا عشان نشوف اشغالنا يا بت الجبالي.
ابتسمت مره اخري وهي تتبعه بقلب سعيد فهو الوحيد الذي يميت قلبها بكلمه ويحيه بأخري ....)
خرجت من ذكرياتها علي صوت دهب وهي تقول بصوت مرتفع بعض الشيء ....
__ واه...شمس.
__ نعم.
__  بناديكي من زمان وماعترديش عليا.
__ معلش كنت سرحانه شويه.
__ طيب انا هروح بجي اخوي رن عليا يلا سلام وتشكري علي الفستان .
سلمت عليها شمس بموده وقالت برقه......
__ لا شكر علي واجب يا دهب.....وبجد انا مبسوطه اني شفتك من جديد .....
__ اني اكتر وربنا شاهد....يلا في امان الله.
__ مع الف  سلامة.
رحلت دهب وهي سعيدة كثيرا بمعرفتها لشمس.... بينما دخلت شمس الي غرفتها ونامت علي فراشها مستسلمة لموجة الذكريات التي داهمتها ...ولكن ما لبثت ان امسكت هاتفها وضربت عدة ارقام ليعلو صوت الرنين الذي لم يطول ليرد ذالك الشخص الذي لم يتركها لحظه منذ غادرت هذه البلده حتي الأن....  وحتي وان كان بعيدا عنها بأميال فهو لا ينساها ابدا  .....
___ الو..........ايوه ياحبيبي ..... وحشتني....وحشتني اوووووووي .....
______________________           
بينما في مكان اخر ما ان وصلت دهب مع والدها ووشقيقها الي المنزل حتي قالت بسعادة وحماس .....
__ شوفي ياما شوفي الحلاوه ...
كانت تدور بالفستان الجميل وهي سعيده وقالت امها بسعاده....
__ اش اش.... ايه ده كلو منين جبتيه ده دا زي بتاع الاكابر الي في التلفزيون .
__ ادتهولي شمس..
__ شمس شمس مين......لتكون بنت المصرويه .
__ ايوه...هيه والله يما طلعت بت طيبه وعسل نحل اه والله.... حتة سكر يا اما .
كان يستمع الي وصف شقيقته لها وهو يبتسم فهي كذالك حقا.....
حلوة كالسكر ......
بعينين كالعسل الصافي ........
ولسان كالدغات النحل......
وابتسامة كفجر يوم جديد اشرقت فيه.....شمس الصباح ....
ولكن ما لبثت  ابتسامته ان تلاشت وهو يسمع شقيقته  تضيف....
__ وجالتلي خدي الفستان حلال عليكي...بس انا مرديتش وجلتلها مهوش من الاصول وحاولت ارجعو بس هي جالت انها راجعه البندر بكره الفجر بعد الفرح طوالي .....
اشتدت نظراته سوادا وقد اخترقت كلمات شقيقته عقله الشيطاني...
فهي سترحل.....
سترحل مرة اخري بدون ان تراه من دون ان تودعه كما المرة الماضيه  ....
وهل تتذكره من الأساس مؤكدا لا فهي قد اصبحت ابنة البندر التي لا تهتم لمن هم مثله.....
حسنا يا شمس سأريكي الأن كيف يكون الليث اذا غضب ...
صعد بغضب  الي غرفته وهو يحاول قدر الإمكان ان يتحكم في غضبه اللا نهائي منها  ويحاول قتل اشتياقه لها....وذالك الصوت الذي يدعوه لأن يذهب ويراها يعلو ويعلو حتي كاد يصم اذنيه ...
//////////////////////               

تعالت الزغاريد في منزل الجبالي  بكثره وهم يزفون العروس الي منزل زوجها في موكب كالأميرات ابتسمت شمس بسعادة لسعادة مها......
علي الرغم من دموعها الخفيفة التي قد سالت  وهي تودع مها بحب وتحتضنها بشوق.....
فهي ستشتاق لها بقوة بعد رحيلها.....
قالت مها ببكاء....
__ خليكي يا شمس انهارده وعاودي بكره.
ردت ببحة وقد اشتاقت للخلاص من هذه البلدة وما تحمله من ذكريات لها....
__ مينفعش يا مها صدقيني.
بكت مها اكثر وهي تتشبث بها قائلة...
__ عشان خاطري لو ليا خاطر عنديكي علي الأجل تجي تشوفيني جبل ماتمشي .
لان قلبها لمها ولم ترد ان تكدر صفوها يوم زفافها لهذا تنهدت قائلة.....
__ خلاص حاضر يا مها....ما انتي العروسه بقي اوامرك مطاعه.
ابتسمت مها وابتسمت لها شمس في المقابل ثم رحلت مها الي منزل زوجها يتبعها الجميع للإحتفال بالعرس معاداها هي،.............
انطلقت بسيارتها الي ذالك المكان
لأول مرة منذ رحلت عن تلك البلده تتمني من كل قلبها لو لم تعود فهي لم يعد لها مكان هنا ولا يريدها احد ابدا الا مها.....
لكن حتي مها اصبح لها عائلة اخري سرعان ما ستنشغل بها عنها .......
وحده هو من كان دوما عائلتها......
ولكن هل يتذكرها .......
هل لو علم بوجودها سيتمني رحيلها هو الأخر ........
ام.......
اغمضت عينيها بتعب لثانيه وهي تتنهد وتتمني ان تذهب هناك فتري رهوان وليث ينتظرانها ببتسامه  .....
ثانيه واحده فقط كانت الفارق بين الحياة والموت بالنسبة لها فما ان فتحت عينيها حتي شهقت بقوه وهي تري تلك العنزة الصغيرة الشاردة تمر من امامها مزعورة مما جعلها تنحرف عن مسارها الطبيعي لتصدم في احد الاشجار العتيقة الموجده حول منزلها القديم المهجور كأن هذا المنزل يصر علي ان يكون الشاهد الأول علي كل زلاتها وأخطائها ولحظات ضعفها......
 سحب كثيفة احاطتها من كل جانب حتش شعرت بظلام دامس مريح يلفها  تمنت الا ينتهي ابدا .....
في تلك اللحظه علمت شمس انها النهايه نهايتها واخيرا سترحل عن هذا العالم الذي لم يعطيها الا الحزن والوجع....
.........       
()()()()()()()()()()()()()()                 

                    

شمس... (((((( مكتملة)))))) Where stories live. Discover now