1_ على حصان السيد

38.5K 785 35
                                    

كانت فيلي وهى تقود سيارتها عبر الطريق الريفيه المهجوره تتمنى لو أن المدفأه فى سيارتها تعمل بشكل أكثر كفاءه . فاليوم هو منتصف شباط , والطقس القارس يجمد أطرافها . والريح الثلجيه كانت تهب فوق الحقول , فى ظل سماء ملبده بغيوم سوداء تهدد بانهمار المطر وتساقط الثلوج .
نظرت الفتاه إلى ساعتها بقلق , واطلقت تنهيده ارتياح قصيره , فلا داعى للخوف ..... أمامها متسع من الوقت , ولن تتأخر عن موعدها مع اللورد كادوغان .
تساءلت فى نفسها عما يكون شكله , ثم قلبت شفتيها .
لابد انه وحش كاسر , هذا إذا كان عليها أن تصدق الشائعات ! فوكاله "المساعده المكتبيه" كانت قد ارسلت حتى الآن سكرتيرتين تلبيه لمكالمات هاتفيه مستعجله من قبل قصر " كادوغان هال" التمس فيها المساعده العاجله : فالسكرتيره الأولى غادرت مقر عملها باكيه بعد بضع ساعات من مباشره وظيفتها . أما الأخرى فقد كانت أكثر رباطه جأش , إذ تحملت مشقات العمل بضع أيام قبل ان تلتمس الهرب , معلنه أن ما من طريقه تجعلها تضع قدمها فى ذلك المكان ثانيه.
وإزاء ما جرى رأت فيلي مكرهه , أن من الأفضل لها التدخل شخصيا وإنجاز المهمه بنفسها . وأصبح من الواضح لها أن اللورد كادوغان مزعج حقيقه , على الرغم من علمها أن ليس بوسعها أن تتحمل إغضابه وإثاره أعصابه . فوكالتها " المساعده المكتبيه "كانت ناجحه أكثر مما تصورت أصلا حين أسستها , لكنها بكل تأكيد لم تكن فى وضع يسمح لها بإغضاب الزبائن الأغنياء , واللورد كادوغان رجل وافر النقود والثروه حقا.
انطلقت السياره بها سعيده لبضع دقائق . . لكن ما إن قطعت مسافه قصيره , حتى بدأت تسمع قرقعه تنذر بالشر من تحت غطاء المحرك . . فسارعت إلى إيقاف السياره جانبا واطفأت المحرك , وهى متأوهه:
- أوه . .لا أصدق هذا !!
حاولت إداره المحرك ثانيه ,لكن ذلك الصوت المزعج كان أسوأ هذه المره . من الواضح أن هناك شيئا خطيرا قد حدث وأن لا شئ سيعيد المحرك الى العمل السوىً سوى إصلاح العطل الرئيسى الذى طرأ على محرك السياره.

هكذا خرجت أوفيليا من السياره , وهى ترتجف والريح تضربها ببروده ثلجيه , شدت معطفها حولها بإحكام , ثم نظرت بإستياء وتجهم . .الطريق الريفيه مهجوره تماما . . وما من دليل على وجود سيارات , أو حتى بشر على مقربه منها . . لقد بدا لها أنها علقت هنا. . فليس هناك من منازل يمكن أن تلجأ إليها لتستخدم الهاتف .
أخذت تذرع الطريق جيئه وذهاباً عده مرات ,محاوله التفكير بما ستفعل . . وبطفره غضب عابره , لم تكن مألوفه من طباعها وجهت ركله قويه إلى السياره , لكن هذالم يفدها بالطبع بل أنها ببساطه آلمت أطراف أصابعها , التى أخذت تنبض بالألم للحظات , مما جعلها تقف , وتحدق إلى الأمام , وهى تفكر مذعوره فى أمر الخروج من هذه المشكلة التي وقعت فيها .
المشكله الوحيده أن لا حل لمشكلتها . فلو حاولت أن تصل إلى"كادوغان هال" سيرا على القدمين , فستصل متأخره جداَ . . وهى ومعها الوكاله , ستهبط بسمعتها إلى الحضيض , وإلى الأبد , فى نظر اللورد .
تمتمت لنفسها متجهمه:
ماأحتاج إليه هو فارس على جواد أبيض . .فما يوجد هنا هو آنسه فى محنه أكيده.
لكزه رقيقة من الخلف جعلتها تقفز مدهوشة . . ولم تسمع أحد يتقدم من خلفها , فاستدارت مسرعه لترى من يكون الآتى . .ثم أطلقت صرخه ذعر حين وجدت نفسها تواجه أضخم كلب شاهدته فى حياتها .
رأسه الضخم يصل إلى خصرها , عيناه السوداوان كانتا مثبتتين عليها بذكاء وحشى , جعل أعصابها تتوتر تماما . . وأخذت تفكر بأن تسرع هاربه إلى سيارتها . . ثم سرعان ما نبذت الفكره , فالكلب لا يبعد عنها سوى أقدام قليله ويبدو قادراً على التحرك أسرع منها , وبمهاره عاليه , ولو قرر مهاجمتها لن تكون لها الفرصه فى الوصول إلى سيارتها قبل أن يطبق فكيه حولها.
جلبه أصوات علت إلى يسارها وجعلت بصرها يرتد إلى تلك الناحيه وما هى إلا لحظه حتى أخذت عيناها ترفرفان غير مصدقتين لما يجرى أمامها إنها مقتنعه بأنها ترى الأشياء تتكرر أمامها . . .
كلب ضخم آخر يمثل أمام نظرها صوره أخرى عن الكلب الأول, الوبر الخشن الرمادى نفسه , والحجم الضخم غير المعقول عينه , والنظرات الحاده الشرسه ذاتها , والفكان القويان المرعبان هما هما. . .
ابتلعت أوفيليا ريقها بصعوبه , هذا موقف غير مضحك بكل تأكيد وأخذت تتمتم بإرتجاف:
-أوه . . . كلبان طيبان . . .لطيفان . . .أريد حقا أصدقاء . .
لكن الكلبين لم يبدو عليهما التأثر بمحاولتها التقرب منهما. .
حدقا الكلبين بعيون لا ترف . فأحست إحساساً رهيبا بأنهما يقيمانها ليقرروا إذا كانت صديقه أم عدوة, ثم تقدم الكلب الأقرب إليها بضع خطوات نحوها , فأحست باصطكاك ركبتيها حين لامس أنفه يدها ليشمها ,
وقف دون حراك . . . لكنها لم تستطع كبح صرخه متوتره مكتومه , حتى مد لسانه يلعق أصابعها بلطف.
وفجأه , انطلقت صفره قويه من مكان بعيد , استجاب لها الكلبان وأدار ظهريهما إليها ثم قفزا مبتعدين .
تنفست أوفيليا الصعداء بارتياح مرتجفه , كأن كابوسا قد انزاح عن صدرها , ثم حدقت إلى الطريق المؤديه إلى الغابه الكثيفه التى ترخى ظلالا من الظلمه على نهايه الطريق الملتويه , وإذا بشئ ما عبر الأشجار . . إنه شبح ضخم ,يبدو انه يتقدم نحوها.
بعد لحظات , خرج من العتمه رجل على صهوه جواده . . الكلبان الضخمان يركضان على بعد ياردات معدوده منه . . وبدأت أوفيليا تسأل ما إذا كانت تحلم . . . فمنذ دقائق كانت تتمنى ظهور فارس على جواد أبيض , يتقدم مسرعا لينقذها . وها هو قد وصل ! حسنا . . حتى لو كان الجواد رماديا , وليس أبيض اللون . . . ،إنها تفاصيل غير مهمه بالنسبه إليها !
ثم أدركت أن القادم نحوها لابد من أن يكون صاحب الكلبين , الذين أوقعا الرعب فى نفسها , فعلت تقطيبه سخط وجهها . . وسألت القادم :
- هل هذان الكلبان لك؟
نظر إليها الرجل من فوق حصانه وكأنه لا ينوى الرد على سؤالها . .لكنها نظرت إليه ترد نظراته البارده وسألته بغضب :
- هل هما لك؟
أجاب الفارس أخيراً بصوت بارد غير مكترث :
- إنهما " لكادوغان هال"
لكنهما الآن معك ؟
- هذا مايبدو , بالتأكيد . . لكن ما شأنك فى هذا؟
وقاحته ,تركتها دون كلام تقريبا . .لكنها تابعت قائله :
- ما شأنى فى هذا ؟ خرجا إلى اثنين من الوحوش من هذا الغابه و . . . وحاصرانى . .انهما حيوانان خطيران يجب إبقاؤهما مربوطين !
نظرته كشفت أول دلائل حده الطباع والنزق عنده . .عيناه باردتان مثل تصرفه معها , وسرعان ما سألها:
- هل آذاك الكلبان بأيه طريقه ؟
- حقا. .لا!
- هل حاولا أن يعضاك ؟ أو الوثوب عليك ؟
غمغمت :
- لا أعتقد.
- إذن ماذا فعلا لك بالضبط؟
- إنهما . . .إنهما . . اقتربا منى . . أحدهما لعق يدى.
حتى وهى تقول هذا , أدركت كم هى سخيفه فى قولها فرد الرجل بطريقه ساخره :
- لابد أن هذا أمر مرعب جدا . .كلب يلعق يدك!
ردت أوفيليا متلعثمه:
- كنت خائفه , ساعتها . كنت لوحدى ولو هاجمانى , لما استطعت فعل شئ .
قال الرجل بلهجه سئمه:
- لكنهما لم يهاجماك , فلماذا تفعلين كل هذه الضجه حول شئ لم يحدث ؟
لم تستطع أوفيليا تصديق أذنيها . .الرجل غير منطقى تماما !
فقالت بغضب:
- مازلت أعتقد بوجوب ابقائهما تحت نوع من السيطره.
بدأت ملامح فم الرجل تظهر السخط . . وبعد لحظه , استدار إلى الكلبين , وصرخ زاجراً :
- بيوولف , بيوتى . . اجلسا!
جلس الكلبان على الفور , فتابع الأمر :
- استلقيا .
فاستدار إلى جانبيهما , وعيونهما شاخصه إليه , ينتظران بيقظه أوامر جديده منه.
- قفا . .وانطلقا.
وقف الكلبان على الفور وقفزا جريا نحو الاشجار وسرعان ما اختفيا عن الأنظار .
استدار الرجل إلى أوفيليا , وقال ساخرا :
- أيبدو لك أن هذان الكلبين لا يمكن السيطره عليهما ؟
قبل أن تتاح لها فرصه الرد,أدار الفارس عنق جواده فى محاوله واضحه للجرى وراء الكلبين ,فصاحت الفتاه بخوف ظاهر :
-انتظر !اسمع...كنت مخطئه فيما قلته لك حول الكلبين , وآسفه لكل هذا الضجيج .
رد الرجل بجفاء :
- إذا كان هذا اعتذارا ,فأنا أقبله .
فأجابت على الفور :
-ليس اعتذارا بكل تأكيد . . . كنت اعترف أننى أخطأت وكنت محقه فى خطأى . ألا يمكن نسيان أمرهما ولنبدأ من جديد؟ الواقع أننى بحاجه إلى مساعده . . سيارتى معطله .
وجاء رده قاسيا:
- لست ميكانيكياً .
نظرت إليه أوفيليا بكراهيه متوتره . .كانت أصلا مستعده للمراهنه أنه لو كان ميكانيكيا عبقريا ,لما عرض أن ينظر إلى السياره , فهو بدون شك لا يريد أن يلطخ يديه الأنيقتين . لكنها سألته:
أليس من مكان هنا أستطيع فيه الحصول على مساعده ؟ مكان فيه هاتف ,أستطيع استخدامه ؟
إنها تكره أن تطلب منه اسداء أى جميل لها ,على الرغم من أنها كانت من الوصول إلى كادوغان هال . . وسمعته يجيب :
- أقرب منزل هو على بعد أميال من هنا , وليس لديهم هاتف .
فسألته بمنطق ساخر :
- إذن ألديك أى اقتراح لما يمكن أن أفعل ؟
لم تكن تتوقع أى رد منه , ومن الواضح أنه لا يهتم بها ولا بمشكلتها ,كانت واثقه من أنه سيدير عنان جواده وينطلق دون لفظ كلمه أخرى , لذلك أصابتها الدهشه حين تنهد ثم نزل عن جواده وتقدم نحوها .
كان رجلا أكثر طولا مما تصورت , نحيلا جدا , ويتحرك برشاقه , وكأنه رجل عامل . قسماته كانت متشدده كأنما نادرا ما تسترخى . وعند اقترابه منها ,استطاعت رؤيه عينيه القاتمتين , وقد بدأتا تلمعان بنفاد الصبر. . . وكان لديها إحساس بأن هذا ليس مجرد رد فعل مؤقت لديه , بل حاله دائمه ,ربما بسبب واقع أنه لايجد ما يعجبه فى حياته فى الوقت الراهن.
حين وقف مطلا أمامها كانت تمرر لسانها على شفتيها باضطراب .لم تكن تتوقع ان لوجوده مثل هذه القوه , ووجدت نفسها تتمنى لو يعود إلى صهوه جواده , وهذه مسافه آمنه لها . ثم أجلست كتفيها ورفعت رأسها ,منزعجه من نفسها للطريقه الخرقاء التى تتصرف بها . . حسنا . . إنه فعلا رجل غيرعادى الجاذبيه! لكن هذا لا يعنى أن عليها الارتجاف لمجرد أن يدنو منها!
سألها بصوت حاد :
- إلى أين كنت تنوين الذهاب حين تعطلت سيارتك ؟
- إلى كادوغان هال.
أثارت إجابتها دهشه فى عينيه , ما لبثت أن اختفت فورا وهو يقول :
- لكن القصر ليس مفتوحا للزيارات العامة قبل نيسان.
- أعرف هذا . . وأنا لست فى رحله استكشاف , لدى موعد مع اللورد كادوغان , سيد القصر. . إنه يتوقع استقبالى عند الحاديه عشره , وهذا يعنى أن أمامى أقل من نصف ساعه لأصل. . . .
ثبت الرجل عينيه القاتمتين فيها متفرسا ,ثم قال :
- أنت قادمة من وكاله (المساعده المكتبيه) . إذن؟
- أجل . .ومن المهم جدا أن لا أتأخر . . .
تلاشى صوتها دهشه بعد ان وعت ما قال, وبادرته بالسؤال .
- كيف عرفت أننى قادمه من الوكاله ؟ وحده اللورد كادوغان يعرف أننى قادمه. . .
صمتت أوفيليا فجأه ,تنظر باستغراب إلى وجه الرجل الواقف أمامها , لتصل إلى استنتاج سريع , لكنه واضح ترجمته بسؤال صريح :
- أأنت اللورد كادوغان ؟
- أجل , وهذا ما يجعلك السيده التى أرسلت لى حتى الآن سكرتيرتين غير كفؤتين للقيام بعمل سهل جدا.
ردت أوفيليا بسرعه :
- لم يشك أحد فى كفاءه واحده منهن من قبل!
-إذن ,هل لك أن تتفضلى بتفسير سبب تركهما للعمل فى وقت قصير ؟
نسيت أوفيليا كل شئ حول الديبلوماسيه واللباقه فى التعامل مع هذا الرجل ,فتنفست عميقا ,وشدت قامتها متحديه وأخذت تنظر إليه بشكل مباشر ,ثم قالت:
- حين تحصل مشاكل كهذه غالبا ما نجد أن تصرفات رب العمل هى الخاطئه قبل أى شئ آخر!
بعد هنيهه من الصمت أحست أوفيليا بندم عميق على كل كلمه قالتها لقد انطلقت هذا الصباح مع عزم ثابت , على أن تقنع اللورد كادوغان بأن وكالتها قادره على تزويده بأى نوع من الموظفات يحتاج إليه. الآن وفى أى وقت من المستقبل .كما كانت مصممه على أن تكون قادره ,مؤهله ,لتنسيه امر الفتاتين اللتين أرسلتهما إليه ,بعد ثبات عدم قدرتهما على التعامل مع مطالب (صاحب السياده)ومزاجيته غير الثابته ومع كل هذا ,أخذت أوفيليا تتصرف بعكس ما عقدت العزم عليه , وتجادله ,وتقول له أنه الملام الوحيد على هرب الفتاتين من العمل معه . .هذه ليست طريقه لبقه ذكيه ياأوفيليا . . يبدو الآن أن اللورد والوكاله سيقطعان كل علاقه بينهما ....
لكن لدهشتها ,لم يبدو عليه الغضب بل قال :
- أنا مستعد للإعتراف أننى لست دائما بالرجل المتعقل . . لكن ,ما الذى يجعلك تظنين نفسك قادره على النجاح معى أكثر من الفتاتين اللتين أرسلتا إلى من قبل؟
- لأننى لا أضطرب أو أرتبك امام الأزمات . ثم أننى بارعه جدا فى التنظيم وهذا اساساً ما أنت بحاجه إليه ,أليس كذلك ؟ إنك تريد فتاه ذات حنكه ولديها القدره على إداره قصر كادوغان؟
- هذا بالضبط ما أريده ,وكما شرحت لك على الهاتف ,المرأه التى كانت تدير لى الأمور ,اضطرت إلى دخول المستشفى لإجراء عمليه جراحيه .لا شئ خطير ,لكنها ستغيب سته أسابيع . . والقصر سيفتح أبوابه للعامه فى بدايه شهر نيسان .وهناك كميه هائله من الأعمال التنظيميه يجب إنجازها قبل ذلك الموعد ,فقصر كادوغان يشبه المؤسسه التجاريه أكثر من كونه منزلا فخماً . ونحن نستخدم عدداً كبيراً من الموظفين , لتصريف أعمال هذا القصر ,لا سيما فى الموسم الذى يزداد فيه عدد زائريه , فأمور الماليه معقده ,وستواجهين عددا كبيراً من المشاكل لم تألفيها فى شركات العمل العاديه فهل تظنين نفسك قادره على القيام بعمل كهذا ؟
هذا التحدى الجسور والسافر ,جعل أوفيليا ترد بسخط:
- انا لست دون خبره ,فأنا من أسست الوكاله ,وأديرها حاليا .وبوسعك أن تستدل على نجاحى المهنى من خلال نجاح هذه الوكاله !
ارتفع حاجبه الأسود قليلاً وعلق بخشونه :

السيد النبيل Where stories live. Discover now