6_ تنام على الشوكــ

11.5K 437 7
                                    

جلس دانيال مستقراً على مدى خطوات منها ، وبدأ برسم خطوطاً سريعة وأساسية ... فوجدت فيلى من الصعوبة أن لا تتوتر ، وإذا بتلك النظرة السوداء تنصب عليها للحظات ، تدرس تقاسيم وجهها، وكأنما العين تثير بلمستها الحميمة شعوراً أقوى من الطريقة اللمس باليد ولمحاولة إبعاد التفكير عن رأسها قالت :
- - ألا يمكنني الكلام وأنت ترسم ؟
- - بوسعك أن تفعلي ذلك شريطة ألا تحركي فمك .
لكن المشكلة أنها لم تستطيع التفكير بموضوع حديث ، على الأقل لم تجد ما هو غير شخصي وأمن ، فالوضع كله صعب بما فيه الكفاية ، وتريد التحدث بشئ يخفف من حدة توتر الجو القاسي قساوة الطقس فى الخارج .
- - البرد قارس فى الخارج ، أتظنها ستثلج ؟
- - لا
وعلى عكس توقعها ، جاءت إجابته مقتضبة ، فلتفكر بموضوع أخر ، لكن دانيال رفع رأسه وهو يسأل :
- - كيف أسست وكالتك ؟
لم تكن تتوقع السؤال ، لذات مرت لحظات قبل أن تستجمع أفكارها وترد عليه :
-عشت وعملت في لندن عدة سنوات ، لكن ظروفي تغيرت ، واضطررت إلى ترك وظيفتي ، فاقترحت على أمي أن أعيش معها فترة تتيح لى إعادة ترتيب حياتى من جديد ... وهكذا انتقلت إلى العيش في هذه المنطقة منذ وقت قصير ، وبدأت أحس بالوحدة بعد موت أبى ، وبدا لي الحل المناسب ، المشكلة كانت صعوبة إيجاد عمل هنا
هز دانيال راسه :
- - هذا أحد الأمور التي تعيق نمو المنطقة التي تبقى ريفية
- - بدأت ابحث الأمر بعمق .. ووجدت أن هناك عملاً بالفعل .. لكنه لا يشغل الإ جزءاً من الوقت المتيسر لى ، فهناك مؤسسات صغيره ، تريد بدائل مؤقتة لموظفيها الذين يذهبون في أجازات ، وهناك محلات بيع بحاجة إلى فتيات يعملن مؤقتاً للحلول مكان أشخاص يصابون بأمراض فجأة ... ومثل هذه الأمور ، ثم اكتشفت أن للأمر امتدادا أكثر من ذلك ،فهناك كبار في السن يحتاجون إلى من يساعدهم فى الحدائق والديكور وأمهات شابات يائسات هن بحاجه إلى من يرعى أولادهن ..أشخاص يعتنون بأقارب عجائز ، يحتاجون إلى من يحل محلهم ليرتاحوا ، وبدت لى لائحة لا تنتهي من الفرص
-فقررت القيام بشئ منها ؟
-بدت لى فكرة جيدة ، فهناك الكثيرون هنا يفضلون أعمالا جزئية .. أمهات لهن أولاد في المدارس ، أشخاص تقاعدوا باكراً ويرغبون في أعمال لا تأخذ أكثر من يومين أو ثلاثة أسبوعيا ... كانت المسألة الكبرى ، تنسيق كل هذا وتنظيمه ، ومطابقته ، حتى بتنا نؤمن كذلك موظفين لوقت كامل ... وبما أن الوكالة أصبحت معروفة ، فهناك المزيد من الشركات المحلية التي تتصل بنا لإعلامنا بوجود فرص عمل شاغرة لديها .
رفع دانيال حاجبيه وقال :
- -تجعلين الأمر يبدو هنا سهلاً محدد المعالم .. لكن اعتقادي أن الأمر لم يكن سهلاً كما تصورين .
- - لا ... لم يكن سهلاً ... لكنه يسير بسهولة الآن ، وهناك فتاة محلية اسمها روزى ، تتولى الإدارة مكاني حين لا أكون موجودة ، إنها ممتازة
- - تبدو لى حياتك مليئة بالعمل ... هل هي حياة وحيدة كذلك ؟
- - ماذا تعنى ؟
وتساءلت اوفيليا إلى أين يا ترى قد يقود هذا الخط من الأسئلة التي راح يطلقها دانيال ، الذي قال :
- - تحدثت عن الكثير من العمل ، لكنك لم تذكري حياتك الخاصة ، ألديك حياة خاصة ؟
-لست أرى أن هذا يعنيك ! على أي حال ... يمكنني طرح الأسئلة عينها عليك ،فأنت تملك هذا المنزل الضخم .. لكنني لم أرى أي أصدقاء لك ، والمناسبات الاجتماعية معدومة عدا ما يدفع الناس من جيوبهم لأجل إحيائها ... أم أنك لا تدعو أحداً لزيارتك إلا من يدفع لقاء هذا الامتياز ؟
قطب دانيال جبينه ، كما لو كان يرسل تحذيراً لها ، وقال :
- - ربما أنا لا أتناسب مع الوضع الاجتماعي هنا
- - لا أصدق هذا ، أنت من أل "ثورب" ... أليس كذلك ؟ وبإمكانك أصلك ولأجيال بعيدة ، ولديك صورهم مرسومة ومعلقة على الجدران ... ليس هذا فقط ، بل إنك المالك الوحيد لأحد أفضل القصور فى المنطقة ، ورسام شهير ... ولابد أن كل هذا يجعلك أشهر رجل فى هذا الجزء من البلاد .. ومن حقك أن تكون على قمة لائحة المدعوين من جانب أي شخص هنا
- - إذا تجاهلت الدعوات لوقت يكفى ، تتوقف فى النهاية
- - ألا تهتم بالاختلاط الاجتماعي؟
- - مع أناس ليس بينى وبينهم أى شئ مشترك ؟.... لا !
نظرت اوليفليا إلية مفكرة :
- - لابد من أنك تشكل خيبه أمل لكل الأمهات اللواتي لهن بنات في سن الزواج .. ولا بد أنهن يتشوقن لمناسبة يظهرن لك فيها بناتهن ، وأنت لا تهتم ... ولا تعطيهن الفرصة
نظرا إليها ساخراً وهو يقول:
-- لم أقل أن لا أهتم ... قلت فقط إن ليس لي نية في الزواج ، وأظن أنني أوضحت لك اهتمامتى بالجنس الأخر
ثمة شئ ما فى لهجته المخملية ذكرها بوضوح بما جرى بينهم ليلة أمس ، وهدد الاحمرار بالتصاعد الى وجهها ، فسارعت تقاومه ، ثم حاولت بارتباك إخفاء قلقها وهى تقول :
- - على إيه حال، اعتقد أن عليك التفكير بالزواج يوماً ..أعرف أنك لا تريد اللقب .. لكنك مضطر في النهاية الى إنجاب وريث يرثه ويرث كل هذا الإرث النفيس من الأملاك والأمجاد
وفى لحظة ما طار القلم الرصاص من يد دانيال عبر الغرفة ليضرب الحائط المقابل ويصدر صوتاً حاداً جعلها تجفل خوفاً ، وارتمت حمالة الرسم مع الاورق فوق الأرض ، وأصبح وجهه عاصفاً مهدداً ، وهو يصرخ بحزم :
- - هل هناك مزيد من الأسئلة الشخصية تودين طرحها بعد ؟
- - أنا أسفه ... لم أقصد ...
- - بلى ... كنت تقصدين ! لكن بما أنك مهتمة جداً بحياتي الخاصة ، فلأوضح لك امرأ ، وللمرة الأخيرة ...إننى لا أنوى الزواج ... ولا أنوى إنجاب أولاد ... بسبب الواعد الذى قطعته لأبى بأن أرتبط بهذا المنزل اللعين طوال ما تبقى من حياتى .. لكن حين أموت لن يعود هناك أحد من عائلة "ثورب" يعيش هنا ، هكذا ...إذا كنت ترين أي أمل فى اصطياد زوج له لقب لنفسك ...إنسى الأمر ! قد أكون رغبت فيك ليلة أمس .. وربما مازلت أريدك .. لكن ... هذا هو الحد ... وليس أكثر ... هل كلامي واضح ؟
مصدومة تماماً ، حدقت فيلى إليه ، وجهها ممتقع اللون من الشحوب ، ثم وقفت على قدميها ، ونظرت إليه بازدراء جلى ، وقالت ببرودة أعصاب :
- - واضح تماماً ! لكن هذه الخطبة الصغيرة لم تكن ضرورية ... فأنا لا أبحث عن زوج ، بل إنني مثلك ، لست مهتمة بالزواج ، ولو كان الأمر يهمنى ، فلن أفكر فى رجل فظ سئ الطباع مثلك ... لورد كادو غان !
ما أن أنهت كلامها ، حتى استدارت لتخرج من مشغل الرسم ، بقدر ما استطاعت أن تجمع من وقار وكبرياء
مرت عشر دقائق ، وهى لا تزال ترتجف بعصبية .. ذلك الصدام الغاضب بينهم أزعجها أكثر مما اعترفت لنفسها ، وأكثر ما زاد من نقمتها أنها لم تعرف للصدام سبباً ... صحيح أنها طرحت الكثير من الأسئلة ، فإن كانت لم تعجبه ، فلماذا لم يطلب منها التوقف ؟ ولا مسوغ لأن ينفجر فى وجهها هكذا !
كانت تجلس وهى تفكر في غرفتها .. ووقفت الآن وتقدمت من الخزانة لتخرج ثيابها ، مستحيل أن يبقيها فى قصره بعد هذا الصدام البشع بينهما ، ومن الأفضل لها أن توضب حقيبتها فى أسرع وقت ممكن .. وما إن أنهت تكويم الثياب على السرير حتى قرع الباب ، ثم دون انتظار الرد فتحه دانيال ودخل ... فعاجلته بسؤال حاسم :
- - أجئت تتأكد من رحيلي ؟ لا تقلق ، أوضب ثيابي في أسرع وقت ممكن
ركز نظراته السوداء عليها وهو يقول :
- - لم أكن أعتقد أنك ستهربين لمجرد أنني صحت فى وجهك ، ظننتك أكثر صموداً وصبراً من هذا !
- - لست ... أنا لست خائفة منك ، وأستطيع تحمل طبعك السيئ ... لكن ما قلته لم يعجبني
- - أتتركني لأنني أتهمتك بأنك صائدة ثروات ؟ ... أنا دائماً أقول أشياء لا أعنيها ، وظننتك ذكية بما يكفى لتعرفي هذا
- - أنا لست حمقاء ... ولست قارئة أفكار كذلك
- - لكن ، أظن أنك قد بدأت تفهميني قليلاً
صمت قليلاً ثم مد يده إليها بشئ ... لفافة مسطحة حوالي القدم المربع
- - ما هذا ؟
أرتفع رأسها فوراً :
- - لوحة أريدك أن تأخذيها
- - لا أريد
- - ولماذا ؟
-- لأن لوحاتك مرتفعة الثمن ... ولا أستطيع قبول شئ مثلها ... سيكون الأمر مثل.. حسناً.. مثل أخذ رشوة
رد دانيال متحدياً بسخرية :
-- ماذا تظنين بالضبط أنني ارشيك لتفعلي ؟
أخذت أوفيليا تململ قائلة :
-- لست أدرى ...أنا فقط لا شعر بالارتياح لها
- - فى الواقع ... ألوحة ليست لك ، انها لوالدتك ... لقد قلت لى انها معجبة بى ... أليس كذلك ؟

السيد النبيل Where stories live. Discover now