‏‏‎8_ لا تتركينى وحدى هنا

11.8K 443 7
                                    

لم يغمض لفيلى جفن تلك الليلة . في الصباح , كانت مثقلة العينين , مصابة بصداع مؤلم سببه التوتر . أمضت وقتاً طويلاً تستحم , ترتدي ثيابها , حتى حين انتهت , بقيت في غرفتها لدقائق إضافية كأنها تشعر بعقدة الذنب تلاحقها . . مع أنها كانت خجلي من الاعتراف حتى لنفسها , فقد كانت تحاول تأخير اللحظة التي ستواجه دانيال فيها . لم تكن تعرف ما ستقوله له . . أو ربما كانت خائفة من قول الكثير , ولم تكن تدرى كيف ستتمكن من التعامل مع ما كان قد بدأ في الحدوث بينهما .
وبما أن من المستحيل التأجيل إلى ما لا نهاية , نزلت أخيراً . كان ماكومبر قد حضر مقعدين حول طاولة الإفطار , لكن ما من أثر لدانيال إما أنه ما زال نائماً , وهذا غير محتمل , وإما أن يكون قد أستيقظ باكراً وخرج . . . ليلة أمس , قال لها شيئاً , القليل من الناس في هذا العالم يعرفونه . . هذا إذا كان هناك من يعرفه . . ولا شك أنه نادم بعمق على اعترافه المفاجئ لكن , بما أن من الصعب سحب اعترافه , فلابد أن يفعل ما هو الأفضل , ويتجنبها . .
تركت معظم فطورها دون مساس , ووقفت متجهه إلى المكتبة . . لكنها لم تستطع التركيز على العمل , وبعد ساعة , تراجعت في كرسيها إلى الوراء تنظر أمامها دون أن ترى .
إنها بحاجة إلى الذهاب إلى البيت . . . لو أمضت بعض الوقت مع التوأمين , لربما ساعدها هذا على إعادة حياتها إلى سيرتها الأولى , إنها بحاجة إلى ضمهما إلى صدرها , معانقتهما , اللعب معهما , حملهما , القيام بكل الأشياء التي تساعد على استعادة طبيعة حياتها . ربما بعد ذلك يمكنها أن تبدأ بنسيان دانيال ثورب . . ولا يجب أن يكون هذا أمراً صعباً . . أما الآن فهي تحس بالأسف العميق عليه , ومستعدة للاعتراف بهذا . لابد أن الأمر هو مدعاة للرهبة والوجوم , أن يدور المرء في قصر ضخم كهذا لوحده . . مع العيش بمعرفته أنه لن يحصل أبداً على عائلة له لتملأ الغرف الكبيرة الفارغة إلا من الصدى , بضحكات وثرثارات أطفال . . تركت نفسها تفكر كثيراً بالموضوع , حتى أنها بدأت تحس بالإشفاق عليه , ولكنها لن تفعل هذا . . لن تستطيع التحمل . فحياتها مليئة بالعوائق والصعوبات . وتحتاج إلى كل قواها كي تتغلب عليها وتؤسس حياة جيدة لها وللطفلين . فهما أول مسؤولياتها , والمسؤولة الوحيدة ومن الأفضل ألا تنسى هذا .

صعدت إلى الطابق الأعلى , وجاءت بمعطفها ومفاتيح سيارتها . ثم تركت القصر بهدوء , ركبت السيارة , وأدارت المحرك . وهى تبتعد لم تستطع مقاومة نظرة سريعة إلى الخلف من فوق كتفها . تحت غطاء خفيف من الثلج , بدا كادوغان هال , كشيء يخرج من حلم . . واستعدت لأن تعترف , أنها ليست واثقة من أنها ستعود . . بالطبع لم تنس ذلك العقد , لكنها لا تظن أن دانيال سيلزمها به , بعد ليلة أمس .
وصلت إلى نهاية الطريق الداخلي للقصر , ووجهت السيارة نحو الطريق الريفية . الطبقة الرقيقة من الثلج , جعلت الطريق محفوفة بخطر الانزلاق . فركزت على قيادتها . . مسرورة بأن يكون أمامها شىء تستطيع تركيز أفكارها عليه . . في الطريق أمامها منعطف حاد . . . فخففت السير , إلى درجة الوقوف تقريباً , وهى تعلم أن عليها الحذر , وما إن استدارت عن المنعطف حتى شهقت . . شخص ما لم يكن حذراً . . وقد انزلقت سيارته على الطريق وغارت مقدمتها في طبقة سميكة من الثلج على الجانب البعيد .
تمكنت فيلى من التوقف دون أن تصدم السيارة الأخرى . . ثم عرفتها . . وبدأ قلبها يضج بالضربات المتلاحقة بجنون . . جزء من اللحظة بعدها , وكانت تخرج من السيارة مسرعة إلى الأخرى .
فتحت بابها وأحنث رأسها كي ترى من في داخلها
- دانيال! دانيال!
كان مرمياً فوق المقود , ولا يستجيب لندائها . . . بإحساس غامض في أسفل معدتها , لاحظت أنه لم يكن يضع حزام الأمان .
- أحمق !
كادت تبكى , وأخذت ترفع رأسه , لكنها توقفت . . . فهي لا تعرف مقدار إصابته . . . وقد تؤذيه لو حاولت تحريكه . . ثم ليس هناك من طريقة تستطيع فيها إخراجه من السيارة لوحدها فهو ثقل ميت تماماً
بارتجاف عنيف , تراجعت , ثم حدقت إلى الطريق في كلا الاتجاهين . . ليس من أحد على مرمى نظرها ! ماذا تفعل بحق الله؟
ثم تنهد دانيال , فعادت إليه تسأله بقلق :
- هل أنت بخير ؟ دانيال . . قل شيئاً . . . أرجوك
تمكن من رفع رأسه , لكن من الواضح أنه لا يعرف أين هو أو ما الذي حدث . كان الدم ينزف من جرح في جبينه فوق وجهه وبإحدى يديه كان يمسك ضلوعه , وكأنما بالغريزة يفتش عن المكان الأكثر ألماً .
تأرجحت في تفكيرها ما بين البقاء معه , وبين معرفتها أنها يجب أن تذهب لتحضر العون , عادت فيلى للنظر إلى الطريق .. ثم شهقت ارتياحا حين شاهدت طيفاً قادماً من بعيد .
لوحت بذراعيها نحوه ثم صاحت :
- هاى !
كائناً من يكون , إنه يركب دراجة , يخوض بثقة غمار الثلج المتراكم والأرض المجلدة . . ثم أقترب , وتعرفت فيلى فجأة على الوجه الشاب الأسمر , ستيف هاوندن . . . وللحظات أحست بالارتباك , الأمر سيكون أسهل بكثير لو أن شخصاً آخر جاء للمساعدة , ثم دفعت كل تفكير سيء جانباً , إذ ليس هذا الأمر مهماً الآن. بل المهم , أن تعيد دانيال إلى البيت .
نزل ستيف عن الدراجة , وتقدم نحوها بسرعة . . ثم غطت وجهه تقطيبه حين شاهد راكب السيارة المصدوم وقال :
- أظن أن الأبله عبر المنعطف بسرعة !
- هذا غير مهم الآن . . يجب أن تساعده . . يجب أن تفعل !
- لن يوافق على هذا .
- ربما لا . . لكننى أنا سأكون شاكرة لك جميلك
نظر إليها ستيف بحدة نظرة كانت قدرتها في الإثارة تماثل قدرة دانيال التي لا تزال مطبوعة في ذاكرتها , ثم قال :
- حسناً . . إذن . . لنلق نظرة عليه
أندس إلى جانبه في المقعد الأمامي , وتفحص الجرح في جبينه وأعلن أخيراً :
- لا أظن أن هناك كسوراً
- أواثق أنت مما تقول ؟
- طبعاً لا . . لست خبيراً . . . لكننى أعتقد أنه كان سيثير الضجيج لو فيه شيئاً مكسوراً .
- إذا كنت تظن أن دانيال سيثير ضجة لأجل عظم مكسور , فأنت لا تعرفه جيداً . . . أيمكننا وضعه في سيارتي ؟ هكذا أعيده إلى المنزل . . . يجب أن يراه طبيب .
- من الأسهل أن نحركه عن المقود إلى المقعد الآخر , ثم أقود السيارة بنفسي , وتلحقين بنا
بتعاون نصف موافق , من دانيال النصف واع , تمكنا من نقله كى يجلس ستيف وراء المقود . . وبحركات خبير , أخرج السيارة من المكان الذي علقت فيه , وصوب مسارها ثم رفع إبهامه إلى فيلى قائلاً :
- ليس فيها شىء خاطئ , ما عدا بضع خدوش خارجية . أراك في القصر .
أسرعت إلى سيارتها ثم انطلقت خلفهما . وما أن وصلت حتى كان ستيف قد أوقف السيارة الأخرى أمام المدخل الرئيسي . فقفزت أوفيليا من سيارتها تركض , لتجد أن دانيال قد أستعاد وعيه . . عيناه مفتوحتان تماماً, مع أنه لم يركز على شىء بعد , لكنه كان يعي ما يجرى حوله .
سألته بقلق :
- كيف تشعر ؟
- سأكون أفضل حالاً حين أدخل إلى الداخل .

السيد النبيل Where stories live. Discover now