4_ خادمة اللورد

12.5K 466 5
                                    

في اليوم التالي لم تر فيلي الكثير من اللورد كادوغان الغريب الأطوار وهذا أمر ناسبها كثيراً وبما أن هناك الأعمال المكتبية التي ما زالت أمامها لتتعامل معها فقد بدأت بالعمل الشاق وحين كانت تتمكن من الحصول على ساعة فراغ غريبة كانت تمضيها في استكشاف القصر
و الأملاك المحيطة به و تتحدث إلى الناس الذين تلتقي بهم كانت تعلم أنه خلال الصيف سيكون هناك المزيد من الناس الذين يعملون في القصر لكنها تعجبت من عدد الموظفين هناك حتى في مثل هذا الأوان من السنة فعدا ماكومبر هناك موظفان يعتنيان بالحدائق بشكل دائم,مدير مزرعة, سائس, مسؤول غابات يشرف على مناطق حرجية واسعة حيث تزرع الأشجار لأغراض تجارية إضافة الى آخرين شاهدتهم فيلي عن بعد وهم يقومون بأعمالهم وبالإضافة إلى هذا هناك ست نساء محليات يأتين حالياً مرتين في الأسبوع لتنظيف المنزل أما في الصيف فيأتين كل صباح لنفض الغبار وتلميع كل شيء يقع عليه النظر استعداداً لاستقبال العموم عند الساعة الواحدة بعد الظهر
عملها اليوم قاطعتها دقات خفيفة على المكتبة ثم انفتح الباب ليدخل رجل طويل مرخي المظهر في أواسط الثلاثين من عمره وقال:
أنا نيفن بلاكمور
-آه أجل أنت من يعتني بييوني كيف حاله؟
أخذته لتوي إلى بيطري ليجري أخر الفحوصات له وأعطاه شهادة صحية نظيفة يبدوا أن سبب مرضه قد زال الآن
-أنا آسفة لاضطرارك إلى تنظيف نتائج مرضه
-لست أمانع كثيراً فأنا مولع بالكلاب على فكرة كنت ألقي نظرة على سيارتك وأظنني قادراً إصلاحها فالمشكلة في جهاز حريق الوقود ( الكاربورتير) ولن يكلفك إصلاحه كثيراً تحتاجين فقط الى قطعتين جديدتين أتريدين أن أقوم بعملية التصليح؟
-سأكون شاكرة لك على عملك هذا حقاً
في غياب سيارتها كانت قد بدأت تحس بأنها عالقة في فخ فالنقليات المحلية غير موجودة والقرية الأقرب وهي المكان الوحيد على مسافة معقولة من السير على الأقدام حتى هذه كانت جزءاً من أملاك القصر ففي هذه الأنحاء من الصعب التخلص من تأثير ثورب فيما بعد ومع إنهاء اوفيليا لمعظم عملها الصعب بدأت تنظر إلى الهاتف باشتياق وفي النهاية لم تعد تستطيع مقاومة الإغراء لحظة أخرى التقطت السماعة وطلبت رقم أمها
مضت دقائق قبل أن ترد الأم وبدأ جبينها يزيد قلقاً وأصبحت راحتاها فجأة مبللتين بالعرق والذعر يلوي معدتها هل كل شيء على ما يرام يا ترى؟
ثم سمعت صوت أمها الهادئ وبدأت ترتاح ثانية فلا يمكن أن يكون قد حدث شيء وإلا لما بدت أمها هادئة هكذا وهي تقول :
آسفة لتأخري في الرد لكنني كنت أضع التوأمين في الفراش لأخذ قيلولة بسيطة
-أهما بخير؟
إنهما غامران بالصحة والعافية سأصبح نحيلة كالشبح قبل عودتك إلى المنزل
ابتسمت فيلي إنها تعرف ان امها تحب كل لحظة تقضيها معهما
-اشتاق إليهما بجنون وسيارتي معطلة لذا لن أستطيع الهروب لزيارة سريعة أحد الرجال هنا عرض علي أن يصلحها لكنني لا أعلم كم سيستغرق هذا من وقت
تحدثت فيلي مع أمها لبضع دقائق أخرى وأجابت الأم عن الأسئلة التي لم تتوقف بدافع القلق الذي يساورها وتمكنت أخيرا الأم من طرح أسئلتها بقولها
ألن تحصلي على أيام راحة ؟
أجابت فيلي متجهمة:
-لست أدري في هذه اللحظات لا يبدو هذا ممكناً الجميع هنا يعمل ساعات إضافية ويرتاح متى استطاع كل شيء هنا يحتاج إلى تنظيم لكن بطريقة ما يعمل وهذا يعنى أننا لن نعرف مقدماً متى سيكون وقت فراغ أو كم سيدوم ذلك فيما لو تيسر لنا
-وكيف ترين العمل مع اللورد كادوغان ؟
لم تدر فيلي كيف ترد لكنها قالت
-هو مختلف عن المألوف
-هل رأيت شيئاً من لوحاته بعد؟
سيطر صمت حيرة على فيلي ثم قالت
-أظن أن مشغل رسمه يقع في الطابق الأول لكنني أطللت برأسي عليه مرة ولم أدخله كيف عرفتِ أنه يرسم
ردت الأم غير مصدقة
-فيلي أتحاولين خداعي ؟
-بالطبع لا على أي حال إذا أردت رأيي يجب عليه أن ينسى أمر الرسم لفترة كنت أرتب الحسابات العائدة له و الأوضاع المالية سيئة جداً ويجب أن يتوقف عن إضاعة وقته على هوايته ليركز جهده على إيجاد طرق للحصول على المزيد من المال
-آه يا ابنتي العزيزة تقولين إنه يضيع وقته على الرسم إنها ليست هواية لديه بل هو احتراف أتعلمين كم يكلفك رسم لوحة شخصية لكِ على يد دانيال ثورب؟
-لا لست أدري ماذا تحاولين القول لي؟
-أقول فقط إن عليك توفير أرباحك لعدة سنوات لأجل هذا حتى هذا قد لا يكفيك فيلي إنه من ابرز الرسامين في هذا العصر والناس يقفون خطاً منتظماً في انتظار تكليفه وهو ليس معروفاً فقط كرسام صور شخصية بل هو يرسم المناظر الطبيعية كذلك وأنا مستعدة للتخلي عن أي شيء في سبيل الحصول على لوحة لمنظر طبيعي من عمله لكنها في ثمنها أبعد من منالي
سألت فيلي باستغراب غير مصدقة
-لماذا لم تقولي لي كل هذا قبل المجيء إلى هنا ؟
-لم تتح لي فرصة إعلامك بذلك ثم إن كل شيء قد تم بسرعة في غضون اليومين السابقين لسفرك على أي حال ظننتك تعرفين الجميع سمع بدانيال ثورب
-الجميع ما عداي تعرفين أنني كسولة تماماً فيما يتعلق بالفن أمي
-يمكنني القول إنني لم أكن أدرك كم أنتِ جاهلة ولأكون صادقة أحسدك فلا شك أن العيش مع رجل كهذا أمر مذهل وأمنية قد لاتتاح لأي كان
وتنهدت لتقول فيلي فوراً
-لست واثقة بأن كلمة ( مذهلة ) هي الكلمة الصحيحة في مثل هذا المقام!
صمتت لحظات تصغي السمع بعد سماع نباح بعيد لأحد الكلبين ثم أكملت بسرعة:
-من الأفضل ان اذهب أحدهم قادم قبلي الطفلين عني إلى اللقاء يا أمي
علقت السماعة قبل لحظات من دخول دانيال إلى المكتبة وكانت تدرك أن لاحمرار يكسو وجهها شعوراً بالذنب وسألها دانيال بفظاظة
-هل من رسائل أوقعها؟
-اثنتان فقط وهناك عدة فواتير
صدر عنه صوت نفاد صبر من بين أسنانه فتابعت
-معظمها ليس سيئاً هناك فاتورة البيطري لمعالجته ببوتي إنه بخير الآن ثم هناك عده ألواح من زجاج أخرى مكسورة في المستنبت ولست ادري لماذا تتكسر دائماً أتظن أن السبب هو عبث عدد من الصبية الذين ينجحون في التسلل إلى حرم القصر لممارسة هواية اللعب والتكسير؟
-لا ليسوا صبية اتركي الأمر لي سأطلب من بلاكمبور أن يراقب كل من يتصرف بغرابة وما هي الفواتير الأخرى؟
-إحداها من عامل الأدوات الصحية بدل إصلاح المرحاض المسدود آه وظهر له أن سبب رشح السقف يعود إلى وجود انبوب مهترئ ولقد أصلحه لكنه قال إن بعض الأنابيب الأخرى في ذلك الجزء من القصر في حالة سيئة فإذا قررت أن تصلحها فسأتصل به للتو
-لن استطيع تحمل أية إصلاحات في الوقت الحاضر ليست ضرورية وملحة تماماً
نظرت فيلي إلى خارج النافذة حيث كان الثلج يتراكم في الخارج ببطء والرياح الباردة تضرب الأشجار وقالت وهي تقطب جبينها
-إذا استمرت الحرارة في الانخفاض أكثر من هذا فقد تتجمد هذه الأنابيب وعندها ستكون في ورطة حقيقية
رد دانيال متوتراً:
-لم أكن أعلم أنك تهوين التنبؤ بحالة الطقس لماذا لا تلتزمين بمشاغل الإدارة فقط؟ فعلى هذه المهمة تتقاضين أجرك ولا دخل لكِ بسوى ذلك
كبحت أوفيليا جماح غضبها وكظمت غيظها مذكرة نفسها بوجوب الإغضاء والتسامح مع حماقات طبعه السيء فهي تعرف الآن أنه في مكان لا يحبه ويقوم بعمل يكرهه وهذا يكفي لأن يجعل المرء سيء الطباع من وقت لآخر ثم أكملت حديثها بالقول
-آخر فاتورة هي من المرآب لقد أعادوا دهان جانب من سيارتك وواضح أنها كانت في حالة سيئة
نظرت إليه بسرعة وهي تبتسم وقالت محاولة ممازحته
-قيادتك سيئة
مزاحها القصير وقع عليه كحمل ثقيل من حجارة البناء فانعقد حاجباه الأسودان ورق فمه حتى بدا كخط مستقيم ينذر بالشر ولكن لحسن الحظ دخل احد الكلبين في تلك اللحظة يقفز مرحاً ورفع أنفه الضخم إلى يد دانيال ليجذب اهتمامه لوقت قصير ولما عاود اهتمامه باوفيليا بد أنه نسي مزاحها الثقيل الواقع على مسمعه
-هناك حفل عشاء خاص سيقام الليلة في غرفة الطعام الرئيسية فتأكدي من ابتعادك عن ذلك المكان
سألت أوفيليا بحدة
-ألا تريد الضيوف الأثرياء ان يلتقوا بأفراد من موظفيك الأقل شأناً منهم؟
استدارت نظرته السوداء لتحط عليها
-أنتِ في مزاج غريب هذا اليوم
إنه على حق وتعرف هذا وتعرف كذلك السبب تلك المكالمة من أمها حركت فيها نوازع الشوق و الحنين كل ما تريده الآن هو أن تكون في المنزل مع التوأم
وبحزم أقفلت تفكيرها أمام أي شيء ما عدا ما يحيط بها الآن فلا فائدة من التفكير هكذا ربما حين يتم إصلاح السيارة ستتمكن من زيارتهما لبضع ساعات ثمينة لها وحتى ذلك الوقت من الأفضل أن تتوقف عن التفكير بالموضوع
وقالت بحدة:
-إنني آسفة ما هو الشيء التالي على جدول العمل؟
-ستجري مناسبتان صغيرتان في القصر غداً غداء عند الظهر وبعد الظهر سيأتي أعضاء من المجتمع التاريخي المحلي لتنفيذ جولة تفتيش خاصة يوم السبت سنقيم مأدبة على طريقة القرون الوسطى في القاعة الكبرى
آه أجل لدي كل الترتيبات مسجلة هنا ستصل ثلاث مركبات تجرها الخيول وهي تنقل الضيوف مؤسسة خارجية ستتولى تقديم الطعام والشراب وسيعمد موظفوها استخدام المطابخ هنا لطهي الطعام ويبدو لي سيكون هناك مرح كثير
قال وقد بدت عليه ملامح الضجر
-هذا يتوقف على وجهة نظرك لكنها بكل تأكيد مناسبة مربحة وهذا هو أهم شيء بالنسبة إلي
-وهل سيرتدي الضيوف أزياء القرون الوسطى كذلك؟
-هذا عائد لهم أحضرت لهم حمل سيارة من الأزياء المعدة من قبل شركة أزياء للمسرح ووضعناها في غرفتين إحداهما للنساء و الأخرى للرجال وبإمكان من يريد اختيار ما يشاء ودفع الأجر لاستخدامه ونحن نأخذ عمولة على هذا بالطبع
وبابتسامة خافتة قالت
-بالطبع بدأت أفهم أن كل شيء يجري هنا يجب قياسه بالنسبة المئوية أترتدي أنت عادة الأزياء؟
-أنا لا أحضر مثل هذه الحفلات
قطبت أوفيليا جبينها وقالت
-آه لكن أظن أن العقد يقول
ثم أبرزت صفحة العقد و أكملت
-أجل ها هي الفقرة التي أعنيها والتي تحتوي على الشروط التالية :" يدفعون أجراً إضافيا على شرط أن يكون اللورد كادوغان موجوداً"
أخذ العقد منها ووجهه عاصف بالتجهم وعدم الرضى ثم قال
-من كتب هذا العقد اللعين؟
-لست أدري كل شيء منظم قبل أن أصل ولست أرى أن الأمر مهم هكذا لقد وقعته وهذا هو المهم إما أن تحضر الحفل وتقبض ثمن ظهورك وإلا ستضطر إلى دفع غرامة كبيرة جزاء غيابك
رمى دانيال العقد على الطاولة وأخذ يلعن من بين أسنانه
فقالت فيلي محاولة استرضاءه
-إنها أمسية واحدة وستكسب مبلغاً ضخماً جزاء حضورها
-إنه مرض نفسي يفتك بنفوس الناس! فما الذي يجعل شخصاً يحمل لقباً عرضة لمثل هذا الاهتمام؟
-لست أدري ربما لأن الناس يربطون اللقب بشيء من الامتيازات يظنون أنك تمثل قيمة من السلطة و النفوذ
صاح دانيال
-إذن فهم مخطئون
-ربما لكن من الصعب تبديل أفكار الناس وقناعاتهم الراسخة حتى الموظفون العاملون هنا يخشونك ما عدا
-ما عدا ماذا؟
-حسناً لدي انطباع أن بعظهم لا يحبك كثيراً
-هذا ليس أمراً عجيباً فأنا لست كأخي ويليام أليس كذلك؟ لم أعط قلبي وروحي لكادوغان هال ولا أمضي كل دقيقة ليلاً ونهاراً أحاول الحفاظ على كل شيء كما هو بالضبط وطبعاً كل من يعمل هنا هو من القرية القريبة
سألت أوفيليا بحيرة
وما الفرق في هذا!؟
-أنا لست بالشخص الشهير جداً في القرية وبعض المحليين لا يتوانون عن إظهار مشاعرهم بطريقة سلبية
وللحظات متولية لم يكن لدى فيلي فكرة عما يتحدث ثم عرض شيء داخل رأسها فنظرت اليه متفهمة
-الزجاج المكسور في المستنبت والخدوش الكبيرة في سيارتك لم تكن حوادث عابرة أو عملاً تخريبياً بسيطاً؟
-لا بكل تأكيد وهناك عدة حوادث كذلك كلها تافهة حتى الآن لكن من السهولة أن تصبح أسوأ
-لكن لماذا؟
هز رأسه بنفاد صبر وقال
-لأن الناس هنا كما يبدو مازالوا يعيشون في القرن الماضي يكرهون سنة التغير يحاربونه بأسنانهم وأظافرهم
قطبت اوفيليا حاجبيها وقالت
-وأنت أتحاول القيام بتغيرات جذرية؟ هل هذا حقاً ضروري؟ قلت إن شقيقك كرس حياته للقصر وبكل تأكيد نجح في إدارته
ركز دانيال نظره إليها وقال
-هدفه الرئيسي في الحياة كان الحفاظ على كادوغان هال كما هو تماماً وبكل امتعاض تنازل ليفتح القصر أمام الناس ولأن هذا هو الجزء الأهم من مدخول الأملاك لكنه رفض أن يفعل أكثر من هذا .. رفض أي عمل تجاري من أي نوع ما عدا غرفة شاي صغيرة ودكان هدايا يقوم في مؤخرة المنزل
-حسناً أعتقد أن عليك إبداء الإعجاب بمثل هذا التصرف فالكثير من الناس اليوم لا تفكر سوى بالمال
-آه كنت معجباً بتصرفه لكن ما لم أدركه هو كيف انقلبت نتيجة ذلك إلى فوضى مالية لم أكتشف أن ليس هناك من دخل يكفي لتغطية مصاريف القصر إلا بعد أن استلمت الحسابات واطلعت عليها
لكن لابد من انه كان يعرف هذا؟
ويليام كان من النوع المثالي يرى فقط ما يريد أن يراه وفي هذه الحال كان يرى أن يحافظ القصر على مجده القديم لا تمسه النزعة التجارية التي سار عليها وإبقائها كما هي والمحليون كانوا يحبون هذا منه فهذا ما كانوا يريدونه بالضبط
فكرت أوفيليا بضع لحظات ثم قالت
-لكن لابد أنهم يدركون أن على القصر توفير مردود يكفي لتصليحاته وإلا فلماذا لا تشرح لهم الوضع؟
-أستطيع هذا لكنني اشك في أن يكون لهذا أثر في تصرفاتهم معظمهم لديه نفس وجهة النظر المحدودة التي كانت لويليام ويقاومون كل تغيير بشكل آلي يريدوني الاستمرار على الطريقة عينها تماماً وحين أحاول التغيير يعلمونني وبطريقة وقحة أنهم لايحبون هذا إطلاقاً
-لكنك لم تفعل شيئاً متطرفاً حتى الآن أليس كذلك؟
-ليس بعد لم يكن أمامي وقت كل ما فعلته هو أنني وضعت المنزل قيد الاستخدام الجيد خلال فترة الشتاء وجعلته مقراً لتنظيم احتفالات على أساس تجاري لكن هذا لا يكفي
ولهذا قبلت المشاركة في مشروع قد يقلب مشاكلنا المالية رأساً على عقب تلك المكالمة الهاتفية ذلك المساء أكدت لي أن المشروع بدأ بالانطلاق
-وماذا تخطط لتفعل مستقبلاً؟
-هناك قسم واسع من الأملاك خلف القرية لا يستخدم للزراعة ولا للتشجير وأنا أفاوض شركة تريد استئجار الأرض لإنشاء ملاعب غولف عليها على مستوى رفيع جداً يكفي لاجتذاب دورة سياحية رئيسية وستقيم كذلك نادياً فيه الكثير من وسائل الراحة الرفيعة المقام بركة سباحة ملاعب تنس ومركز صحي ضخم وإذا نجح هذا
ستنال الأملاك نسبة مئوية من الإرباح إضافة إلى مبلغ ضخم كإيجار للأرض وهذا سيكون تغييراً له تأثير كبير على وضعنا المالي
-ألا يفهم أهل القرية هذا؟
رفع دانيال حاجبيه بسخرية وقال
-أعتقد أنهم يفهمون لكنهم مازالوا يعارضون المشروع كله يظنون أن قريتهم سيجتاحها لاعبو الغولف ومرشدو المركز الصحي وأن الناس سيبدأون بشراء الأملاك في القرية لاستخدامها كأكواخ لنهايات الأسبوع وهذا في النهاية سيخرج القرويين من قريتهم
-أيمكن أن يحدث هذا؟
-ممكن مع أنني سأحاول جهدي ان أمنع حدوثه
نظرت أوفيليا إليه بدهشة
-أتهتم بما سيحدث لهم؟
-لأنني أقدر وجهة نظرهم وأشعر بشيء من المسؤولية نحوهم لكنني ما زلت مصمماً على المضي بمشروعي مهما تضاعف عدد الحجارة التي يرمونها على زجاج المستنبت تعبيراً عن احتجاجهم وعدم رضاهم
رن جرس الهاتف حين أنهت الرد كان دانيال قد غادر المكتبة فأخذت أوفيليا تفكر بالحديث الذي جرى بينهما وقررت أن تقف في جانب القرويين فلو كانت تعيش في قرية جميلة هادئة لم تتغير منذ قرون فبكل تأكيد لن ترغب في أن يكون هناك مجمع سياحي فخم على باب بيتها القرويين على حق لكن هذه ليست مشكلتها وستذهب قبل وقت طويل من حل المشكلة في أي اتجاه كان والأفضل إبعاد التفكير بالموضوع عنها والتركيز على عملها
صباح السبت استيقظت فيلي تتُاءب بأجفان متثاقلة وقررت البقاء نصف ساعة أخرى في السرير ثم تذكرت أن اليوم هو موعد حفلة العصور الوسطى وبتأوه قصير سحبت نفسها من تحت الأغطية واتجهت نحو الحمام من المؤكد أن تبرز أمامها مئة مشكلة و مشكلة صغيرة ملحة للتعامل معها وما من شك أن دانيال ثورب يتوقع منها أن تكون موجودة للتعاطي المباشر والكفي مع كل منها
ما إن حل موعد الغداء حتى كانت النساء المنظفات قد أنهين عملهن في تنظيف الغرف التي ستستخدم ذلك المساء وستكون عند المساء جاهزات للعمل كخادمات بين الحضور
مع اقتراب المساء بدأت اوفيليا تحس بالرضى للطريقة التي تسير فيها الأمور كل شيء يسير حسب المخطط ولن تكون غلطتها إذا لم تنجح السهرة فالأزياء وصلت ووضعت في الغرفتين المحددتين وعمال الطعام وصلوا ويستخدمون المطابخ الآن تحت عين السيدة ماكومبر الثاقبة
أولى العربات وصلت عندما بدأ الظلام بالهبوط وتنهدت فيلي ارتياحاً إذ بإمكانها الآن أن تنسحب إلى جزء هادئ من المنزل لترفع قدميها إلى الأعلى وترتاح وخلال ما تبقى من الأمسية لكن في هذا الوقت عينه وصلت السيدة ماكومبر وهي ترغي وتزيد غضباً ودلائل القلق بادية على وجهها وقالت على الفور
-إحدى النسوة كانت ستساعدنا في تقديم الطعام أصابها الصداع وهذا يعني أننا بحاجة إلى بديل عنها وإلا ستكون الأمور صعبة
فسألتها أوفيليا باستغراب
-ألا يمكنك إحضار أحد؟
ترددت السيدة ماكومبر قليلاً ثم قالت
-ليس من السهل إحضار من يعمل هنا
تنهدت فيلي لا بد أن هذا بسبب الخلاف المستمر بين دانيال ثورب وأهل القرية
-ألا يمكنك تدبير الأمور مع النساء الموجودات معك؟
-حتى بدون غياب السيدة كنا بحاجة الى المزيد من المساعدات وقلت للورد كادوغان هذا كنا نحتاج الى اثنتين أخريين لكنه قال إنه لا يستطيع دفع أجرهن
سخرت فيلي قائلة
-إنه هاجس الاقتصاد
اضطرت فيلي إلى إخفاء ضحكتها حين شاهدت الصدمة على وجه المرأة التي سارعت إلى إبداء اقتراحها بأمل كبير وهي تخاطب فيلي قائلة
-أعتقد أنك لا تستطيعين المساعدة؟
-أنا؟
-نستطيع إيجاد زي يلائمك وليس العمل صعباً سأشرح لكِ بالضبط ما يجب أن تفعلي
ومع أن فيلي لا تذكر أنها وافقت على الفكرة إلا أنها سرعان ما وجدت نفسها ترتدي ثياب خادمة لم يكن الثوب أنيقاً فلا يلائمها ارتداء المخمل الثقيل والألوان البراقة اما الياقة المربعة والتنورة الطويلة فهما رديئتان جداً تحتهما بلوزة طويلة الأكمام مربوطة بشرائط عند العنق لم تعتقد أن هذه الأزياء هي فعلاً أصلية من الناحية التاريخية ولا الطعام الذي سيقدم للضيوف سيعكس الطعام الحقيقي الذي كان يقدم في العصور الوسطى لكن لن ينتبه أحد لهذا ولن يعارض إذا انتبه فالضيوف قادمون إلى هنا للتمتع والتسلية ولن يلقوا بالاً لمثل هذه التفاصيل التافهة
بالنسبة إلى فيلي كان المطبخ يبدو في فوضى كاملة لكن بالنسبة إلى السيدة ماكومبر التي كانت تشرف على كل شيء فقد كانت راضية عن سير لأمور وكان الطعام قد بدأ يرسل إلى القاعة الكبرى حين دخلت فيلي إلى المطبخ فقالت السيدة ماكومبر
-ستخدمين الطاولة الرئيسية أسرعي قدر استطاعتك وعودي لأخذ صينية أخرى
أسرعت فيلي الى القاعة الكبرى لكنها حين دخلتها توقفت مترددة لتستوعب المنظر بدت القاعة متغيرة تماماً مليئة بجو ملون حي بدلاً من أن تكون مجرد مكان واسع مؤثر فيه الكثير من الأثريات واللافت في الإنارة تلك الشموع التي كانت جاهزة إذ لم يكن هناك إنارة سواها وهي تنتشر صفوفاً متراقصة فوق شمعدانات معلقة في الجدران وفوق الطاولات أنوارها المتراقصة كانت تملأ القاعة بنور خافت و الزوايا مع السقف تتلفح العتمة وتضيع في الظلام فأنوار الشموع لن تصل إليها
إحدى الطاولات كانت محضرة في منتصف القاعة بينما صفت الطاولات الاخرى على الجانبين مع الحفاظ على فراغ مربع الشكل في الوسط أكثر الحضور اختاروا استئجار الأزياء القديمة ليشكلوا مزيجاً رائعاً من الألوان والأزياء بدت قائمة اللمعان تحت ضوء الشموع كان الجو عابقاً بالدخان والدفء وتتصاعد الأصوات تحيط بها وهي تندفع نحو الطاولة الرئيسية
في الوسط تماماً كان يجلس دانيال ثورب أول شيء لاحظته فيلي إنه واحد من القلائل الذين لم يرتدوا ما يناسب الحفل إذ كان يرتدي بنطلون جينز وقميصاً عادياً وسترة من جلد أسود فتمتمت من بين أسنانها
-مفسد المتعة
ثم انجذبت عيناها إلى من كان يجلس حوله وهي تضحك في سرها تساءلت عما إذا كانوا قد دفعوا المزيد من المال ليكون لهم شرف الجلوس إلى جانب اللورد كادوغان وبنوع من التحدي دفعت أوفيليا بقصعة حساء أمامه وتمتمت في أذنه
-أول وجبة لك سيدي اللورد
أجفل دانيال واستدار قائلاً:
-فيلي؟
ثم عبس
-ماذا تفعلين بحق الجحيم ؟
-في هذه اللحظة أقدم لك الحساء آسفة لا أستطيع التوقف فالناس يحبون الحساء ساخناً
وهي تغادر القاعة بالصينية الفارغة كانت تحس بعيني دانيال تخترقان ظهرها وتنفذان إلى خفايا جسدها وحين عادت بعد قليل لجمع الأطباق الفارغة كان مستعداً لها فأمسكت يده القوية بمعصمها وهي تمد يدها لتأخذ الحساء الذي لم يمسه
-هل هذا نوع من المزاح؟
فأجابته اوفيليا على الفور
-بالطبع لا وأتوقع أن أقبض أجر العمل الذي أقوم به هذا المساء مثلي مثل غيري
-لكنني أدفع لكِ أجرا مرتفعاً!
-لكن هذا وقت إضافي على فكرة هل هذا حقيقي؟
وأشارت إلى رأس دب بري على طبق نحاسي أمامه فكاه مفتوحان أنيابه بارزة و عينها تلمعان فرد عليها
-لا انه من البلاستيك اشكر السماء لهذا وع ذلك فهو يكفي لمنعك من تناول العشاء مع أن شهيتك تبدو قليلة فأنت لم تذق الحساء ولن ترضى السيدة ماكومبر بهذا
ابتعدت أوفيليا عنه حال أنهت كلامها دون سماع رده الخافت المنخفض وعادت إلى المطبخ لتقديم الوجبة التالية وحين بدأت بأخذ الإطباق الفارغة مرة أخرى كان زيها الثقيل قد بدأ يلصق بجسدها المبلل بالعرق ويبرز مشهداً مثيراً للإغراء فقد اخذ الجو في القاعة يزداد حرارة وأحست أوفيليا ببشرتها تلتهب وهي تعود ثانية إلى المطبخ وتتناول كوب شراب وتزدرده دفعه واحدة أحست بعده بالانتعاش والتقطت الوجبة التالية مسرعة بها إلى القاعة حيث سألها دانيال وهي تقدم الدجاج
-أين السيدة جاكسون؟
-أصيبت بالصداع ولم تستطع السيدة ماكومبر أن تجد بديلة عنها فاستخدمتني
رفعت فيلي نظرها نحو الرواق الذي يجلس فيه الموسيقيون في آخر القاعة الكبرى وعلى الرغم من تعالي الأصوات المرتفعة فقد استطاعت سماع أصوات الغناء فسألت
-من هناك ؟
-إنه كورس الجمعية النسائية يغنين مزيجاً من الأغاني القديمة والفولكلورية
-أيجب أن تدفع أجرهن ؟
-مجرد أجرة السفر وتبرع للجمعية
-كان الأرخص لك أن تستخدم مسجلة وعلى أي حال لا أحد يراهن وهو يكاد يسمعهن بشق النفس
-لكن قدرة المسجلة على توفير الجو نفسه ضعيفة للغاية
-هذا صحيح لكنك أنت من يتذمر دائماً من دفع المال أو على الأقل من قلة وجوده أحاول فقط أن أقدم طريقة للتوفير و المزيد من الربح آه يجب أن أذهب السيدة ماكومبر تشير إلي بذعر من على الباب
لحقت أوفيليا بالسيدة ماكومبر لتحمل الخضار كانت قد لاحظت ان دانيال لم يمس طعامه بعد ولا يبدو عليه انه يحاول أن يكون اجتماعياً مع من جلس حوله وهي تضع السلطة أمامه همست في أذنه
-الأفضل لك أن تبدأ الحديث مع بعض هؤلاء الناس وإلا قد يقررون المطالبة باسترجاع مالهم
رد بغضب
-لا تلقي علي المحاضرات لن أتحملها بعد الآن
لكنها لم ترتدع
-تناول قليلاً من الطعام عل تفكيرك ينجلي
ثم هربت قبل أن يرد رداً سيئاً
ما إن اخذت توزع أطباق الفاكهة التي كانت تشير إلى نهاية الطعام حتى كانت قدمها تؤلمانها وتتطلع بشوق حقيقي للهرب من الحرارة و الضجيج إلى هدوء سريرها وبما أن الغد يوم أحد فربما لن يمانع اللورد السيد والحاكم لو أنها تأخرت في النوم وحين وصلت إلى جانبه وضعت الطبق أمامه ثم بدأت تتراجع بسرعة لكنها لم تكن سريعة
بما يكفي وإذا بها تشعر بيده وقد أمسكت بخصرها وبعد لحظة وجدت نفسها تجلس ملاصقة له
حدث هذا بسرعة مذهلة حتى أن رأسها بدأ يدور منذ لحظة كانت تقف على قدميها أما الآن فهي على صلة وثيقة مع رجل قوي قاس ذراعه لا تزال تلتف حولها بشدة وإحكام ولا يبدو لها أنها قادرة على المقاومة والإفلات من مخالبه واحمر وجهها حرجاً ثم تمتمت
-ماذا تفعل؟
حولها كل الناس أداروا رؤوسهم باتجاهها وهم يبتسمون و يضحكون لابد أنهم طنوا هذه الحركة هي جزء من التسلية وتمتم دانيال بصوت منخفض
-هذا أحد الامتيازات التي يحصل عليها سيد المكان فمسموح لي أن اختار من أشاء من الخادمات
ردت أوفيليا حانقة:
-أنت تختلق هذا دعني أذهب !
لكنه لم يكن ينوي أن يتركها بل أنه لف ذراعه الأخرى حولها كي لا يبقى لديها أمل بالخلاص منه وجهدت ليبقى صوتها منخفضاً كي لا يسمعها من حولهما
-لماذا تفعل هذا ؟
-أنا ببساطة أدخل إلى روح هذه الأمسية وهذا ما أمليت علي أن أفعله أليس كذلك؟
-قلت لك أن تكون اجتماعياً مع من حولك لا أن تمسكني وتجعلني أحس كأنني...كأنني
-كأنك ماذا أوفيليا ؟
لكنها قررت أن لا تنهي جملتها تلك وقالت
-ما من أحد غيرك أمسك بخادمة
وعندها جذبها نحوه أكثر وهو يردد
-هذا لأنكِ الوحيدة دون الخامسة والربعين لكن الكثير من الرجال يبدو عليهم أنهم كانوا يتمنون لو فعلوا هذا قبل أن أفكر أنا به أنتِ رائعة اوفيليا
قامت فيلي بمحاولة للخلاص لكن دون جدوى فسألته
-كم تنوي تركي جالسة هكذا ؟
لم يرد وكأنه يتمتع بالسيطرة عليها ثم قال
-آه أظن طوال ما تبقى من السهرة
صاحت:
-ماذا؟
-كما أنني لا أمانع في أن تستمري في المقاومة والحركة فهذا في الواقع أمر مثير
أصبح وجهها شديد الاحمرار وجمدت في جلستها محاولة تجاهل ضربات قلبها المضطرب وهي تدعو الله أن يجعل دانيال ثورب يسأم من لعبته التي قرر أن يلعبها معها ويفك أسرها ويمنحها حرية الابتعاد عنه.

السيد النبيل Where stories live. Discover now