الجزء 3

95 5 0
                                    


بعد إنتهاء المجلس الحسیني تبادلت والدة سَكینة مع فاتن أرقام الهواتف وبدأت بینهما أواصر علاقة أسریة جدیدة

وهذا لیس بغریب فهي والدة سَكینة !

وصلت زهراء للمنزل بقلب مُتلهف لإداء حق إمامها علیها ولكن یشوبهُ حسرة ، هي تعتقد إنها ما زالت غُصناً طریاً قد لا یتحمل

الصعوبات التي ستواجهها ولكن غاب عن ذهنها إن الإنسان قید مشیئة الخالق

وإن الله أودع فیه طاقات لا مُتناهیة ! أولمْ یقل تعالى : (ونفخت فیه من روحي) ؟

فمن یتصل بالله سبحانه یُصبح قادر على المستحیل ، قادر على جمیع الصعوبات

لكن الفطِن هو من یُدرك هذا الامر فقط و لا یدعْ مجال أو ثغرة كي یَدْخُل منها إبلیس .

لاحظت صدیقتُنا إن هُنالك تغییراً واضحاً في تعامُل فاتن تجاهها منذ أن إلتقت بالسیدة أُم سَكینة

لكن لم تكُن تتخیل یوماً إنها ستترُك طباعها!

یبدو إن بعض الأمثال خاطئة .

زهراء هي الاخرى أصبحت من المتفوقات في صفها ، السر كان في تحدید الهدف أولاً

وفِي الإخلاص وتنظیم الوقت ثانیاً .

لم یُفارق ذهن زهراء أبداً حدیثها مع سَكینة في لقائهما الثاني بالتحدید في منزل الاخیرة ،

كان یتضمن عدة نُقاط دونتها في مخیلتها ، لا توجد قوة في الكون قادرة على محو ما كُتبَ في داخلها ذلك

الیوم و لا حتى الموت ! لإن إحدى تلك النُقاط المُهمة التي ذكرتها سَكینة

كانت تستمر حتى بعد الموت ، كان الالتزام أربعین صباحاً مُتتالیاً بِدُعاء العهد وفِي الروایة عن الامام الصادق ع :

"من دعا الى الله تعالى أربعین یوماً بهذا الدُعاء كان من أنصار قائماً ، فأن مات قبله أخرجه الله تعالى من قبره

وأعطاه بكل كلمة ألف حسنة و محا عنه ألف سیئة " .

ها هي زهراء بین فترة واُخرى تتفقد كم یوماً بقي على إتمام الأربعین صباحاً

وتتفاجأ إن یوم غد سیكون الأربعین !

وفجأة خطر في بالها ما قالته سَكینة : إستعدي لما سترینهُ بعد إتمام الأربعین أو حتى قبل ذلك ، سیمُّن الله عَلَیْكِ

بالكثیر فلا تتعجبي ولا تخُبري أحداً إن في ذلك مصلحتكِ .

خفق قلبها ، دق جرس أفكارها هل سترى إمامها و محبوبها؟

بعد منتصف اللیل

تناولت زهراء قطعة قماش مسحت دموعها بعد أن أتمت تلاوة كتاب الله ، لم تكن تستخدم المنادیل الورقیة

كانت تؤمن إن الدموع في مجلس الحُسَیْن والدموع التي من خشیة الله وحبهُ

تكون مقدسة یجب الاحتفاظ بها ، كانت تنوي أن تضعها معها في قبرها حین وفاتها .

قبلّت تُربة عزیز قلبها أبا عبدالله وسجدت سجدة الشُكر المُعتادة في دُبر كُل فرض وصلاة مُستحبة

تركت لباس الصلاة "الچادر" في مكان صلاتها المُخصص في أحد أركان الغُرفة ، وذهبت نحو سریرها

فقد تأخر الوقت ویجب آن تستیقظ باكراً لفرض الفجر أو فرض العشق كما تُسمیه هي ، لأن الفجر لأنقیاء الأرواح

أما الذین تلوثوا فلیس لدیهم فُرصة في الاستیقاظ فجراً !

المكان ، بُستان أخضر العقل غیر قادر على وصفهِ من شدة الجمال

الحضور ، ثلاثة أشخاص فقط زهراء وشیخ مُسن أبیض اللحیة نوراني المعاني والوجه والشخص الثالث

رجل في ثلاثینیات عُمره ، ذو هیبة یجلس بعیداً مُنعزلاً یكاد حُزن قلبهُ یشعر به المُقابل بمجرد النظر لَهُ

یتوشح اللون الأخضر على كتفیه ویرتدي عمامة سوداء ، أما ملامح وجهه فلا تُرى لانه كان بعیداً بمسافة كبیرة

الشیخ المُسن یُبدي التحیة والسلام على زهراء فترُد علیه بأحترام ویبادُرها بسؤال : هل تعرفین یا بُنیتي من ذلك السید الجلیل الجالِس

هنُالك ؟

ردت زهراء : كلا یا سیدي من هو ؟

أجاب : بل هو سیدُكِ ولستُ أنا ، إِنَّهُ صاحب الزمان المهدي ، وهل تعلمین لما هو وحید ؟

كأن الحروف تبخرت منها كأن اللُّغة فُقدت حینها لم تكُن تود شیئاً سوى الذهاب نحوه ولكن كأن شیئاً منعها

لم تكُن مُستعدة هكذا فهمِت ، أردفت تقول : كلا لِمَ هو وحید ؟ ،

لا أنصار لدیه ، والفساد یملأ الارض

والظلم یسود والإنسانیة تتلاشى ودین جدهُ غُیِّر وبُدِل ، كان هذا جواب الشیخ المُسن وأضاف :

تقع على عاتق هذا الجیل مسؤولیة كبرى ، الامام یُحبكم فأغتنموا الفُرص التي یبعثها الله لَكُم

وأي عمل یُضاهي نُصرة إمام الزمان ؟ .

" في هواكا أبكي ویُبكیني دُعاء النِدبِ ، هل تراكا عیني كما رأتكَ عینُ القلبِ " صوت المُنبه في هاتف زهراء

قصیدة حُسینیة للرادود الحسیني باسم الكربلائي أیقضت زهراء من منامها مُرتعبة

هل كان حقیقة أم خیال !!

إنها الساعة السادسة وقت الصلاة ، وبعد إتمام الفرض وقراءة دُعاء العهد وزیارة عاشوراء

أصابتها نوبة بُكَاء وإنفجرت دُموعها بلا توقف تسحب الأوكسجین بصعوبة

لا تُعطي الفُرصة لرئاتها كي تعمل طبیعیاً ، هدأت قلیلاً تناولت الْقُرْآن لكي تتفائل به وتأخذ رسالة من الله

رواية احبك بروحيWhere stories live. Discover now