الفصل الثالث والعشرون

88.4K 4.5K 347
                                    

"فرط الحب"

الفصل الثالث والعشرون

وضعت ليان يدها فوق وجهها غارقة في بكائها الصامت تشعر بالذنب أكثر مما كانت تفعل مسبقًا ولكنها خير العالمين بأن الوضع سيتطلب منها مجهودات كبيرة قبل أن يستقر فلا يجب عليها التذمر الآن.
لم يتحرك أحمد الواجم من المقعد المقابل لها وقد شهد مكالمتها في تأني يحاول معرفة لماذا تزوجته من الأساس إذا كانت ستواجه الطوفان مع أشقاءها.
تابع حركت معصمها فوق وجهها في اعجاب خفي بأفعالها وهي تحاول مسح عبراتها في اعتراض تناشد القوة داخلها ولوهلة شعر بأنه يحسدها لقوتها واردتها، تلك الصغيرة التي لا تتعدى كتفه تجلس بكل شموخ تلملم ذاتها وتواجه المشكلات في حياتها بإصرار لم يلمحه ولو بالخطأ في قاموسه حتى.
فهو مستمر في عزلته بين خنوع وخضوع بلا حول له ولا قوة فحتى بعد زواجه منها واخباره لوالده وارساله بصور الأوراق الرسمية ليؤكد له زواجه واتمامه لدوره في الاتفاق، لم يستجيب والده لمطالبة بعقود ملكية متجره ومنزله والذي اجبره والده منذ زمن على توثيقهما باسمه.
تذكر أحمد في حقد متأكد من أن والده كان يخطط للسيطرة على شخصه بهذا الوضع فيسلب منه شقاه كما سلب منه نفسه ورجولته من قبل ساحبًا منه في قسوة فرصته للانفلات من براثن رحمته والاستقلال عنه.
وماذا الآن ها هو يجلس كالذليل منتظر اتصال والده الذي تأخر كثيرًا في إرسال تنفيذ دوره من الاتفاقية السوداء بينهما.
زفر في غضب وهو يناظر هاتفه قبل ان يناظر ليان التي تنظر إليه في جمود وخواء، شعر بالشفقة عليها فهي برغم قوة شخصيتها إلا أن ملامحها الحزينة تفصح على مكنوناتها المتأججة وشعر بفضول كبير نحوها.

-معاك سجاير.

حرك جفنيه قليلًا يحاول التأكد من أنه استمع لكلماتها بشكل صحيح، قائلًا بصوت مبحوح نابع من صمته طوال النهار:

-سجاير؟ انتي بتشربي سجاير؟

عقدت حاجبيها في مدافعه وكأنها تتوقع منه الاشمئزاز أو الاعتراض لتخبره في ثقة وكأنها لا تسمح لأحد بان يحاسبها على أفعالها حتى الخاطئة منها:

-كنت بشرب وبطلت بس عايزة سجاره دلوقتي في مشكلة؟

رفضت اخباره بأنها توقفت عن تلك العادة عندما أبرحها نادر ضرًبا وحفزها على الاستمرار عودتها بين اخوتها الذين كانوا سيقتلعون عينيها ان علموا بتدخينها.
حرك كتفيه وشفتيه بلا مبالاة ثم أخرج من جيبه علبته يرميها نحوها في إهمال، سحبت ليان احداها عنوة واشعلتها وهي تنظر لعيونه المعلقة بها في نظرات غامضة وكأنها تتحداه قائلة:

-متشكرة.

-العفو بس متتعوديش على كده مش هديكي تاني.

فرطِ الحب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن