5

9.9K 478 115
                                    


"السماء رحِمٌ، وكانت هي القمر."

نهاري وأنا أحزم أمتعتي كان مغمورًا بالألم.

"مسيو نيكولو غادر هذا الصباح، مادموزيل."

"ألم يترك شيئًا... رسالة؟" قلت، صوتي مثيرٌ للشفقة إلى مسمعاي.

ضمّت شفتيها، تفكر لثانية. "لا، لا أظن ذلك."

"حسنًا... شكرًا لكِ."

وبصدرٍ منقبض، سرت حتى حجرتي.

لم يضل المزيد من الوقت على قطاري العائد إلى نورماندي، وبدون جلبة أو محاولة لمواجهة الألم الذي استحوذ على كل إربٍ مني، توجهت إلى المحطة. أسجل خروجي من الفندق، وأنظر لباريس مرةً أخيرة. ذكريات ليلة الأمس ورغم أنها حدثت بالأمس فحسب؛ إلا أنها كانت بعيدةً جدًا.

إما لأنها كانت جيدةً جدًا كي أصدقها—أو لأن مانحها لم يرغب بها.

كنت في القطار، أجلس على مقعدي، عقلي يلف كثيرًا. هل امتلكت حقًا لألومه؟ لم أكن ملكًا له، أنا لم أكُن راشيل.. وربما لأجل نفس السبب انسحب عني سريعًا.

قال يحبها.. لكنه لم يتصرف كأنه أحب امرأةً أخرى حين قبلني.

وما خطبي أنا؟ أتناجى مع رجل مخطوب على شفا الزواج.

أغلقت الكتاب الذي انهمكت في قراءته، أسند رأسي للخلف، وأسقط نائمةً. الرحلة من نورماندي إلى باريس لم تأخذ وقتًا طويلًا، وكون اتجاه هذه الرحلة واحد، نورماندي كانت المحطة القادمة الوحيدة؛ لذا لم أخشى السقوط نومًا.

عقلي الباطن انشغل بالتفكير باليومين السابقين فحسب. كيف كانا. كيف تحولّا وإلى ماذا آلا. ذهبت بغرض مؤتمرٍ، فُصح لي لاحقًا أنه لم يكن عدا فرصة لرجلٍ سفيه، ثم رأيت رجلًا أنكرت الكثير بشأنه.. كان دافئًا، احتوى ألمي، ثم ذكرني أنني في عطلة—أراني حسن المدينة، ثم غادر. كان كحلم، كأنه لم يحدث أبدًا.

العودة لنورماندي كانت كالعودة إلى الواقع، كالنزول من قمة ذاك الجبل الشاهق الذي تسلقته، أهبط على الأرض. أقوم بتذكير نفسي بمن كنت، وما هدفي في الحياة. وحين وقفت أمام منزلنا، وفي يدي حقيبتي—علمت أن ما حدث، وجب عليّ أن أتخلص منه.

لم أمتلك وقتًا لشيءٍ كهذا. لرجلٍ كهذا. وعلاقةٍ معقدة، مضطربة كهذه.

مرت أيامٌ منذ عودتي، لم أستطع منع نفسي من اختلاس النظرات نحو حوض سباحته، باب منزله—كان خاليًا، شبح راشيل يسير فيه من وقتٍ إلى آخر. كان غائبًا. من باريس وغيرها—لكنه لم يكن غائبًا عن عقلي.

العمل لم يتغير، كان نفسه، ليلي كانت نفسها. تقنعني مرةً كل فترة أن نخرج معًا، وكنت أقبل. لكن كل شيء ذكرني به. الشاطئ ذكرني بحبه للسباحة، الجزء المكشوف من المقهى، ذكرني بحبه للصيف، الليل ذكرني بسكونه، بهدوئه... بحزنه تلك الليلة.

الپيسين | La Piscineحيث تعيش القصص. اكتشف الآن