الفصل التاسع

231 35 32
                                    

خلال الأيام التالية، انتشر الخبر في أزمور وقليبية كنار في الهشيم. إبراهيم اختفى دون عودة، والشرطة لم تنفك تفتش المدينة وتستجوب كل الأصدقاء حوله. لا أثر يقود إليه، لا أحد يعلم أين اختفى، لا أحد رآه منذ غادر منزله في تلك الليلة ليبيت عند محمد.

القلق نهش روحي كالسوس والنوم هجرني دون عودة. السؤال ذاته بقي يتكرر في عقلي، ماذا لو كان ما رأيته في تلك الليلة حقيقيا ولو أنني كنت أشاهد ما يحصل بأم عيني، ماذا لو لم تكن تلك أحلاما؟

كنت قد كففت عن الذهاب للمدرسة خلال تلك الأيام، تمارضت وانقطعت عن أصدقائي، إذ أن الأمر قد أخذ منعرجا جديا جدا. شائعات كثيرة انتشرت في أزمور، وقصة بيت آل محفوظ صارت على كل لسان إذ لم ينفك التلاميذ يرددونها في كل ركن: "إبراهيم رأى شبحا في ذاك البيت وخلال الأسبوع ذاته قد اختفى".

الشرطة في اليوم الماضي، داهمت البيت أملا في أن يكون إبراهيم ربما ذهب إلى هناك. دخلوا إلى كل الغرف حسب ما ذكر أبي، ولم يعثروا على شيء غير القمامة والخردة.

كنت مستلقية على سريري، ممسكة بهاتفي أحدق بحسابه على موقع الفيسبوك، فكرت أنه قد يتصل فجأة وينتهي هذا السيناريو الثقيل لكنه لم يحصل، وهكذا مرت ليلة أخرى عنوانها الندم والقلق.

ربما الوقت مر سريعا بحيث لم أحس به، استيقظت من غفوتي حين رن هاتفي في تلك العشية وقررت أن أجيب وأتقبل سباب إل الثقيل إذ كنا اتفقنا في آخر لقاء لنا على مداهمة البيت بأنفسنا اليوم:

- أيتها الخرقاء! اعتقدنا أنك قد مت أو ابتلعتك أشباحك تلك! كيف تجرئين على تجاهلنا كل هذا الوقت!

تمتمت بصوت كئيب:

- أعتذر! لقد كنت...

غير أنها قاطعتني بنبرة حاسمة:

- لقد اتفقنا، سوف ندخل لذاك البيت اليوم، وسوف نبحث عن آثار إبراهيم وسوف نتأكد من مدى صحة أحلامك كما جرى اتفاقنا في آخر لقاء. إن كان تصميم البيت مطابقا لأحلامك سوف نجد المكان الذي رأيت إبراهيم يسحب إليه، هو حتما مدخل خفي غير ظاهر للشرطة.. أما إن كان البيت مختلفا فعلى الأقل، سوف نتفق على كونك مخلوق هلامي لا منفعة منه.

كان التصميم في صوت إلهام مخيفا. قلت مترددة:

- ماذا لو كان الأمر أخطر مما نظن؟ أعني لو كان حقيقيا... أنا لم أر سيدة طيبة تستقبل إبراهيم في أحلامي..

- عقل إل إجرامي أكثر منها، سوف نتقابل في مدخل المدينة العتيقة، بعد ساعة.

جل ما فكرت فيه إثر الاتصال، الأغراض التي يجب أن آخذها معي، ولا أدري لما فكرت في شاحن الهاتف اللاسلكي والمصباح اليدوي. وضعتهم في حقيبتي ثم تسللت إلى المطبخ لأختلس منه سكينا صغيرة. لكي لا أنكر الأمر، كنت أشعر بخوف قاتل كلما فكرت في أنني قد أتجرأ على دخول ذاك البيت، وفكرة أن رفاقي قد يفعلونها بسبب ما آل إليه حالي أصابتني بالفزع المضاعف.

الموؤودةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن