الفصل الرابع

1.1K 122 379
                                    

بداية الساعة الواحدة قررت أن أدرس الفيزياء اللعينة، إذ لم يتبق أمامي الكثير كي أجتاز امتحان البكالوريا. كنا في بداية شهر مارس البديع في حين تنطلق امتحاناتي في السادس من يونيو، ولم أكن قد بدأت المراجعة بجدية حتى الآن.

بدأت أحاول حل بعض التمارين النمطية وشيئا فشيئا تملكني شعور مزعج ثقيل لم أفهمه، خمنت أنه ناتج عن مللي من الدراسة مؤخرا.

حاولت التركيز وبدأت أخط على الورقة بعض الإجابات وحين نظرت للكتاب أمامي بغية التأكد من القاعدة تهيأ لي أن الحروف تتحرك من أماكنها وتفر من الورقة في حين لم تبق في المنتصف إلا بعض الأحرف اللاتينية مكونة تلك الجملة الغريبة:

" When the girl who was buried alive is asked, for what sin she was killed?"

تعالت أنفاسي جراء الخوف وتجمدت حركتي، اصطكت أسناني ببعضها وغمرتني رغبة خانقة في البكاء، فكرت في الهرب من الغرفة وحتى الصراخ ومناداة والدتي غير أن إحساسي بوجود جسد غريب يقف خلفي مباشرة منعني من التحرك.

شعرت بيد قاسية تربت على رأسي  وتلامس شعري فوقع القلم من يدي على الأرض وتشنج جسدي حتى كدت أشعر بتمزق الشرايين داخله.

شعرت بوجه يقترب من أذني وبذقن يحط على كتفي في حين امتلأت الغرفة برائحة اللحم المحترق. حركت رأسي ببطء شديد لكي أرى هذا الكائن الجاثم خلفي في حين ارتعش جسمي كاملا، غير أنه تحدث بهمس مرعب قبل أن أتمكن من رؤيته:

"بأي ذنب قتلت؟"

فتحت عيني فجأة لأجدني نائمة على مكتبي، شفاهي ترتعد كأوراق الخريف وجسدي يرتجف بشدة في حين انخفضت حرارتي حد التجمد.

حركت عيني من دون أن أحرك جسدي وقد امتلأتا بالدموع، ثم تحركت ببطء كي أقيم جسمي وأنظر حولي لأجدني وحدي في الغرفة وكل شيء طبيعي جدا. لقد كنت أحلم لا غير.

نظرت إلى الأرض لأرى قلمي قد وقع مني حقا، حملته لأضعه فوق الطاولة ثم انتقلت لأجلس على سريري باكية. لقد بدا المشهد حقيقيا جدا، حقيقي إلى درجة مرعبة!

استعذت من الشيطان وغادرت غرفتي بغية استنشاق الهواء غير أنني توقفت طويلا أمام الساعة إذ كانت تشير إلى الثالثة والربع مساء. ازدردت ريقي وسرت بخطى فوضوية نحو الحمام، توضأت وعدت أصلي صلاتي الظهر والعصر باكية عند كل سجدة وعند ترتيل آيات القرآن.

غمرتني الراحة أخيرا وهدأت ين يدي الرحمان. 

بعد الصلاة أخرجت المصحف من خزانتي وفتحت مباشرة صفحات  سورة التكوير، بحثت عن تلك الآيتين بيدي، قبلهما وبعدهما وبدأت أقرأ بصوت منخفض:

بسم الله الرحمن الرحيم

وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14

الموؤودةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن