الفصل السادس

737 79 148
                                    

صعدت إلى الحافلة المدرسية لأرى مقعدي محجوزا بالقرب من حبيبة، سرت بثبات ثم جلست حذوها عند النافذة. حاولت تفادي نظراتهم الفضولية نحوي وقد تكهنت بأن إلهام قد قصت عليهم الحلم الغريب.

مرت عشر دقائق على وصولي، سمعنا محرك الحافلة يعود للعمل دلالة على قرب انطلاقها. التفتت فورا نحو مكان جلوس محمد ثم قطبت جبيني وهمست بقلق:

- أين إبراهيم؟

التفتوا جميعهم نحو المقعد الشاغر ثم هزوا بأكتافهم دلالة على عدم معرفتهم. عقبت بيان برزانتها المعتادة:

- ليست المرة الأولى التي يفوِّت فيها الحافلة على كل حال.

تنهدت وأنا أرفع جسدي إلى الأعلى قليلا ثم قلت بصوت مرتفع موجهة حديثي نحو محمد:

- لما لم يأتِ صديقك بعد؟

حدق نحوي لبضع ثوان ثم قال بذهن مشوش:

- ندرس على شكل مجموعات اليوم، حصته تبدأ عند العاشرة.

أومأت برأسي ثم عدت لأسترخي على مقعدي دون أن يغادرني القلق. شدت حبيبة على يدي بقوة ثم همست لي بحرارتها المعتادة:

- لقد كان مجرد كابوس مزعج صب، أخبرتك أن كل هذا نتاج كل التوتر والضغط الذي تمرين به، لا تسمحي للأمور بأن تأخذ حجما أكبر منها.

التفتت بيان من المقعد الأمامي لتضيف راسمة على وجهها ملامح مطمئنة:

- ما تقوله حَب صحيح، علميا تساهم حالات التوتر والاضطراب والاكتئاب والضغوطات في رؤية الكوبيس أثناء النوم، ناهيك عن وجود دراسة تثبت أن الأفكار التي تسيطر علينا قد ينقلها عقلنا الباطن إلى مشاهد تراودنا أثناء الحلم. ألا تظنين أن التفاسير العلمية أشد منطقية من أفلام الرعب التي تتأثرين بها؟

تأففت مخرجة السماعات من حقيبتي متفادية هذا الحوار الذي رأيته غير مجدي. ضغطت على أزرار هاتفي بحثا عن أغنية هادئة ثم وبدافع الفضول فتحت تطبيق الفيسبوك سيرا نحو محادثتي مع إبراهيم. كان آخر وقت لظهوره قد تجاوز الساعتين ما أوحى لي بأنه نائم الآن. كتبت له هذه الرسالة كنوع من الإلحاح:

" سوف أنتظرك قرب المدرسة، عند موقف الحافلات، يجب أن نتحدث. لا داعي لكي نلعب معا لعبة القط والفأر، كلانا ناضجان وأنا أعتذر لك بشدة عن كل ما بدر مني سابقا. لم أقصد الإساءة. اتصل بي ما إن تقرأ رسالتي كي أتأكد من قدومك."

وضعت إحدى أغنيات" إيمي واينهاوس" لاحقا وانهمكت في مشاهدة الطبيعة الخضراء عبر النافذة محاولة طرد الأفكار السيئة من دواخلي.

********

دق جرس انتهاء الحصة الثانية عند التاسعة وخمس وخمسين دقيقة. بحركة سريعة صببت أغراضي داخل الحقيبة دون ترتيب ثم حملتها وقفزت راكضة خارج القاعة غير مبالية بنداء إحدى زميلاتي ولا بالنظرات المستغربة التي تآكلتني. شعور عميق داخلي لم يكف عن إخباري بأن خطبا غريبا سوف يقع.

الموؤودةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن