الفصل الخامس

1.2K 130 324
                                    

انتهيت من كل تمارين الفيزياء في تلك الليلة أخيرا وعند الساعة الحادية عشرة قررت أن أنام، رغم أنني ومنذ زمن لا بأس به بت أكره فكرة النوم كثيرا.

جمعت أقلامي ودفاتري داخل حقيبتي على غير عادة، إذ التصق مشهد الحروف المتحركة بعقلي وخشيت حدوثه مجددا وسط كابوس جديد.

شغلت سورة البقرة من خلال هاتفي كي تمنحني شعورا دافئا بالأمان وبأن الله موجود حولي أقوى من كل سلطان ثم تغطيت جيدا وأغلقت عيني محاولة النوم. 

شعرت بقشعريرة متكررة تسري في جسدي، كأنها ضربات كهربائية خفيفة متقطعة تلاها إحساس بثقل غريب وبكرة خانقة تقبع أعلى صدري.

بدأت أستكين شيئا فشيئا ويرتخي جسمي حتى انفتح باب غرفتي ببطء لأفتح عيني بانزعاج وأحدق في أخي المتسلل إلى الحجرة بقامته الطويلة وابتسامته المستفزة.

- سوف أنام!

أردفت بلهجة صارمة قاصدة طرده ومغلقة صوت القرآن احتراما. هز كتفيه غير مبال ثم عقب:

- وإن يكن؟ قولي، لما تسألين عن بيت آل محفوظ ذاك؟ لم أرد التدخل كي لا أورطك أمام والدي ولكنني أعلم أنك تسعين خلف شيء غبي.

تأففت ثم أجبته بانزعاج واضح:

- لا شيء مهم، إبراهيم ابن توفيق النجار يدعي أن البيت مسكون وأنه رأى شبحا بأم عينه يطل من النوافذ ولا أحد يصدقه طبعا. سألت بدافع الفضول.

- هذا ممل.

تمتم أخي ثم أضاف:

- ظننتك تخططين أن تلعبي esprit*مع الجماعة هناك.

تأففت ثانية وأردفت:

- في بيت مهجور قرب المقبرة؟ بربك يسري! لن أرى الكوابيس بعدها بل الجان اللعين وجها لوجه.

قال بهمس مخيف وملامح مضحكة:

- أنت ترينهم كل ليلة أصلا.

ثم غادر الغرفة مغلقا الباب متفاديا عصبيتي المفرطة وقد تنهدت أمامه بحنق.

أغمضت عيني محاولة تفادي كل الأفكار المزعجة وتدريجيا غرقت في النوم.

لا أعلم كم كانت الساعة بعدها حين بدأت أشم تلك الرائحة الغريبة، رائحة الكبريت والنار واللحم المحترق، بدا كل شيء مظلما حولي وتهيأ لي أني أمشي في رواق أسود مريب. فتحت أحد الأبواب الكثيرة في الرواق واستشعرت قبضة الباب المتجمدة.

حاولت أن أرى المكان حولي لكنني لم أستطع، بدأت أصعد درجات غريبة بخطى واثقة موزونة وكأنني أعرف هذا المكان جيدا، كان صوت لهاثي عاليا جدا ومخيفا في حين أحسست بألم وثقل مزعجين مع كل خطوة أخطوها.

عند الطابق الثاني تسرب القليل من ضوء القمر عبر النوافذ، مشيت لأدخل إحدى الغرف، لذعتني رائحة الرطوبة، نقلت عيني بين الأغراض الكثيرة محاولة تمييزها رغم بهتان المشهد، كانت هناك دمية عاجية أنيقة ملقاة على الأرض تحدق بي مباشرة.

الموؤودةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن