الفصل السابع

780 80 220
                                    

حين لاح مشهد البيت أمامي ساكنا خاشعا وحيدا تسربت إلى جسدي قشعريرة قارسة.  اقتربت بخطوات ثقيلة جدا في حين كان الزقاق  خاويا تماما من البشر. لا أعلم إن كان للخوف أي علاقة بحالة اليقظة الشديدة التي تملكتني، صوت خطواتي بدا عاليا جدا يتبعه صدى عميق، والنسيم العليل صار ريحا مرتفعة الزفير اللحظة تلو الأخرى.

سمعت قزقزة الأبواب المنخفضة، انتبهت للظلام الممتد من بعض المداخل المهشمة ولكل النباتات البرية التي تسربت من الشقوق.

وصلت أخيرا أمام الباب الحديدي، تماما أين وقف إبراهيم في حلمي ورفعت رأسي جهة النوافذ العلوية، كان المشهد هادئا ومريبا، لا شيء يدل أن الشبابيك قد فتحت في أي زمن قريب.

حركت عيني بين أشجار السرو التي تمايلت  مع الهواء، ثم نظرت عبر الفتحات نحو الحديقة الهادئة.

- إبراهيم!

حررت صوتي كي أناديه غير أنه لم ينبعث مني إلا كهمس منخفض جدا بالكاد سمعته من نفسي، قلبي ينبض داخل حلقي من شدة الرهبة. ارتطام الباب الحديدي الخفيف والمتكرر جراء الريح أرعبني ونبهني إلى كون البوابة وعلى غير عادتها منذ سنوات كانت مفتوحة.

التبس الأمر علي، اقتربت بحذر شديد ولمست السطح الحديدي لأدفعه بخفة فانفتحت أمامي.  ازداد الأدرينالين تدفقا داخل جسدي ومسحت وجهي مرة أخرى كرد فعل غير إرادي لكل المشاعر المتلعثمة التي راودتني.

مرة أخرى نظرت نحو السماء بحثا عن الله، أخرجت هاتفي وقد بدت رعشات يدي هذه المرة شديدة البروز، بحثت عن سورة البقرة بين الملفات التي أخزنها فيه وشغلتها رافعة الصوت إلى أقصى درجة ممكنة.

دلفت إلى الحديقة  بخطى ثقيلة شادة على الهاتف كأنه سلاحي الوحيد ضد كل الأشياء غير الطبيعية التي قد تظهر قبالتي بغتة. 

كانت الحديقة هادئة محافظة على تلك الهيئة المتوحشة التي رأيتها قبل سنوات، وكأن لاشيء قد تغير في المشهد، كل التفاصيل استقرت على ما هي عليه بطريقة مفزعة. استمرت حركات الريح حولي في تأجيج المشهد المخيف ومع هذا استكنت لصوت التلاوة.

 حين وصلت إلى الدرجات المهشمة رفعت رأسي إلى أعلى لأرى النوافذ عن كثب، شباك العناكب حول الخشب أوحت بأنها لم تنفتح حقا منذ زمن بعيد، إذا فذاك الحلم قد لا يكون حقيقيا، لن ينسج الجان شباك العناكب بعد كل ظهور جديد، ومع التفكير في الجان تجمدت حركتي لبضع ثوان، تخيلت أن جسدا شفافا يقف قريبا مني يراقبني. 

ابتلعت ريقي بصعوبة والتفتت بحركات بطيئة حولي، كنت وحيدة تماما، لا أعين حقيقية ترصدني. قلت لنفسي أنه تأثير الخوف لا غير، تأثير طبيعي يجعل جسدي متوجسا لكل حركة دخيلة مباغتة، هو هذا لا أكثر.

صعدت الدرجات محركة عيني في كل صوب خيفة من كل حدث غير متوقع حتى وقفت أمام الباب الخشبي المحطم. مددت يدي بعد تردد شديد كي ألمسه، وضعت أصابعي على الخشب برقة لكنه كان محكم الإغلاق. دفعته بمزيد من الجهد هذه المرة فلم يتحرك الباب رغم ذلك. 

الموؤودةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن