الفصل الثاني

2.4K 151 464
                                    

بدت تلك الظهيرة هادئة أكثر مما يجب ما جعلني أصاب بحالة ملل رهيبة. لطالما كرهت عشيات يوم السبت رغم خلوها من الدروس، إذ كنت أقطن مدينة صغيرة نائية، خاوية من جل المرافق الأساسية التي قد تحتويها أي مدينة عادية أخرى.

بعد أن عدت إلى البيت وتناولت الغداء مع عائلتي وسط انتقادات أمي الحادة لي وتحريضاتها لوالدي إضافة لاستفزاز أخي المستمر، انكمشت داخل غرفتي محاولة الدراسة، إذ كنت أقف قبالة سنتي الأخيرة بالثانوية وكنت مطالبة بتحصيل معدل عال لدخول المعهد العالي لعلوم الحاسوب.

جلست مطولا أشاهد الدفتر المكتظ بالقواعد والمعلومات الثقيلة، وحين أدركت أنني عاجزة عن التركيز كما يجب قررت الاتصال بحبيبة واللحاق بها إلى النادي.

كان ناديا أدبيا بدار الشباب المقفرة، يجمع ثلة من محبي الكتابة والمطالعة الشباب، تم تأسيسه قبل بضع سنوات ومصادفة قد استمر عكس بقية النوادي.

التقيت بأصدقائي الوحيدين هناك، ورغم الفوارق العمرية التي كانت بيننا جمعتنا رابطة روحية مميزة واكتسبت حياتي لونا جميلا بفضلهم.

مازلت لا أدرك العامل المشترك الذي جمع خمستنا قبل ثلاث سنوات كي نصير رفاق إلى الأبد إذ كنا مختلفين جدا، لكل منا طابعه المميز وغرابته الفريدة من نوعها، ومع هذا اجتمعنا في النهاية كقطعة موسيقية واحدة متناسقة رغم تنوع آلاتها.

أفقت من شرودي ما إن بلغت باب النادي ودخلت لأرى كل الحاضرين متجمعين حول إبراهيم.

اقتربت منهم بخطوات بطيئة لتبدأ ضوضاءهم العالية بالاتضاح إذ كان يسرد مجددا قصة الطيف والنافذة بتأثر وحماس شديدين.

ما إن لمحتني حبيبة حتى قالت بصوتها الواثق:

- ها قد أتت صب، لقد دخلت إلى ذاك البيت من قبل ولم تر شيئا يثير الريبة! أعتقد أنك تتخيل فعلا!

التفتت كل العيون نحوي تنهشني بفضول، رفعت كتفي وعقدت حاجبي قائلة باستغراب:

- ماذا هناك؟

تمتمت إل بسأم:

- قصة المنزل المسكون مجددا.

اندفع إبراهيم متحدثا  بانزعاج:

- لما قد أختلق قصة كهذه؟ بالله عليكم، أقسم أني قد رأيت ظلا أبيض عجيبا لشخص يحدق بي من النافذة العلوية لمنزل آل محفوظ المهجور، كنت مارا وحدي ليلة البارحة في الطريق إلى بيت محمد لآخذ منه كراسا، وحين رفعت عيني رأيته بوضوح فعدت أدراجي ركضا إلى البيت!

بدا منفعلا وهو يسرد التفاصيل مرة أخرى رغم سخرية الجميع منه، ولو أنني لم أكن أعرف ذاك البيت جيدا لكنت صدقته.

أجبت بهدوء شديد:

- إن نوافذ البيت كلها مغلقة بالمسامير، وباب البيت الرئيسي هو الفتحة الوحيدة الموجودة لأنه مهشم من الأسفل ومتآكل جراء القدم وتعرضه للمطر والسوس. كيف ظهر لك الطيف من النافذة وهي مغلقة إذا؟

الموؤودةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن