عائلة زجاجية.

1.7K 73 95
                                    

لم يكن ياماش يتوقع الكثير. فهو يدرك تمامًا كيف يسير نظام هذا البيت، ويعلم أن لا سبيل للتغيير إليه. كما بقيت جدران البيت على حالها، بقي من يسكنونه أيضًا على حالهم.
ربما أصبحوا أكثر حزنًا، خاصة زوجة كهرمان -ندرت- التي قلما رآها تبتسم. كبر الأطفال الذين تركهم خلفه قبل سنوات، ويبدو أن سيدة البيت الكبيرة -الأم سلطان- لم تقصر في كسر عزيمتهم وتحويلهم إلى دمى تليق بعائلة كوشوفالي المصونة.

كانت آكشين، ابنة أخيه كهرمان، ذات السابعة عشر عامًا، واخوها آجار، الذي لم يتجاوز العاشرة بعد يحتضنان والدتهما في غرفة المعيشة، فوق الأريكة. يبدوان وكأنهما يواجهان موت أبوهما هكذا!

أما ابنة سليم، فقد جلست بمفردها فوق مقعد قريب. تراقب ذلك المشهد الدافئ بعينين غيورتين! ربما فضوليتين! لم يفهم ياماش كثيرًا. لكنها كانت نظرة تحمل شعورًا ليس جيدًا.

الأسود كان سائدًا حول أجساد النساء، والكآبة كانت تحوم فوق رؤوسهن جميعًا. حتى عائشة، زوجة سليم، التي كان ياماش يظن دائمًا أنها لا تحب تلك العائلة، كانت حزينة وذابلة!

تنهد ياماش وخرج إلى الحديقة، قاصدًا استنشاق بعض الهواء. وهناك رأى أمه تقف أمام رجلين في عمر والده.
عرفهما ياماش على الفور، ولما رأياه ابتسما له.

اقترب ياماش نحوهم، وأخذه أحد الرجلين -والذي كان أشيب الشعر واللحية، ويبدو أقل الرجلين حدة- في عناق أبوي.
«آه، ياماش! من الجيد أنك عدت يا أسدي»
فصل العناق، وربت على كتفه بابتسامة حزينة معزية.
«زال البأس يا بني»

هز ياماش رأسه بابتسامة خفيفة، وقد شعر بالحنين يغزو قلبه لرؤية الرجلين اللذين كانا دومًا ظلًا لأبيه.
«عمّي! باشا! كيف كان حالكما؟»
عانقه الباشا بدوره، وربت على ظهره.
«نحن بخير أيها الأسد، هل أنت بخير؟»

هز ياماش رأسه بابتسامة.
«بخير. سلمت»

التفت إلى أمه سائلًا.
«أين سليم؟»

أجابته أمه بهدوء.
«لقد طلبت منه النزول إلى الحفرة ومتابعة أحوال الناس. لا ينبغي أن يشعر الناس أن عائلة كوشوفالي تنشغل بهمها وتتركهم»

سخر ياماش داخله. لكنه هز رأسه مجددًا، ولم يعقب.
«لقد استدعيتكما لهذا السبب»
وجهت حديثها للرجلين، ثم إلى ياماش.
«وأنت يجب أن تسمع هذا»

«أنا يجب أن أرى أبي أولًا. أنتم خذوا راحتكم»
ثم تحرك نحو البوابة، حاولت أمه أن تلحقه. لكن العم أوقفها.
«دعيه، ليطفئ الشوق ويطمئن على أبيه. نحن خلف سليم، لا تقلقي»
نظرت في أثره بانزعاج، قبل أن تتنهد وتتحرك معهما نحو غرفة المكتب الخاصة بزوجها.

أغصان شجرة لا تصنعُ بيتًاWhere stories live. Discover now