حادثٌ عارِض

2.8K 120 201
                                    

"اسمي ياماش، ياماش فقط. هذا أنا في هذه الحياة. اسمي، لقبي، هويتي، ومن أحب. مع هذه الحقيقة الوحيدة، وهذا الجسد الهش الذي بلا جذور، كان السقوط سهلًا، وسقطت كثيرًا في الحقيقة. لكنني تمسكت بنفسي وبعض الموسيقى، وهكذا استطعت الصمود."

-ياماش

داخل واحدة من الحانات الشهيرة في مدينة إسطنبول التركية، كان الوسط صاخبًا جدًا، خاصة حول المنصة التي تشتعل بموسيقى الروك. كان ياماش يمسك بالمايكروفون بين يديه ويضرب الأرض بحركات رشيقة، والنساء من حوله يصرخن ويرقصن على إيقاع الموسيقى وصوته، أغلب الموجودين في محيط المنصة كانوا نساءً، والسبب بوضوح كان مغني الفرقة الوسيم الذي اكتسب شهرة في الفترة الأخيرة.

ياماش كان رجلًا جميل الهيئة، عريض الكتفين. بشعر بني داكن، وعينين بنيتين لامعتين، تميلان للون الأزرق. لحية خفيفة وبشرة بيضاء حليبية.
كل شيء في الرجل كان مثاليًا وباهرًا، حتى صوته كان جيدًا ومحببًا -في الغناء والحديث-، ما جعله يكسب الشهرة في وقت قصير.

وفي المكان نفسه، بعيدًا قليلًا عن المنصة. كان رجلًا متأنقًا ببذلة سوداء كلاسيكية، بدا أقرب لرجل أعمال يحضر اجتماعًا مصيريًا، وليس رجلًا يجلس أمام مشرب في حانةٍ وسط المدينة. كان يضع منديلًا أحمر في عروة سترته. كما أن شعره الأسود الكثيف كان مصففًا للخلف ومشدودًا بعناية.
(ڤارتولو) كان وحيدًا أمام المشرب. يشغل نفسه بشرب النبيذ، ومتابعة الحشد المجنون حول الفرقة الغنائية.

كان يشعر بالحزن تلك الليلة بشكل خاص، لذا قام بصرف تابعيه للبقاء وحيدًا والبحث عن العزاء في الصمت ومراقبة الفوضى من حوله. رغم أنه لم يكن معجبًا كثيرًا بحقيقة أن كل أولئك الناس من حوله يشعرون بالسعادة، وهو لا يستطيع!

جمع يديه فوق المشرب وأسند ذقنه فوقهما فيما يتبع حركة الساقي بملل، ويقلب مكعب الثلج داخل الكأس بإصبعه.

بعد فترة هدأ الوسط، تنهد ڤارتولو وطلب من الساقي أن يجدد مشروبه.
اعتدل جالسًا وأدار رأسه للخلف ليجد أن الحشد حول المنصة قد انفض، وهناك يتحضر عازف الساز لأداء فقرته.

«ناظم، أعطني كأسًا من البيرة»
التفت ڤارتولو نحو صاحب الصوت المبحوح بجانبه، وانتبه أنه مغني الروك الذي كان يعتلي المنصة قبل دقائق. وبالنظر إليه عن قرب، يستطيع ڤارتولو أن يعرف السبب وراء تجمهر النساء حوله.

نظر إليه ياماش بدوره، وتسللت عبر أنفه رائحة الليمون المختلطة بالعطر ورائحة الكحول. كان خليطًا غريبًا ينبعث من الرجل إلى جانبه. لكنه كان خليطًا محببًا بطريقة ما.

سحب ياماش كرسيه مقتربًا قليلًا من الرجل، وموجهًا كامل اهتمامه نحوه. تفاجأ ڤارتولو قليلًا. لكنه لم يمانع الأمر في الحقيقة، فقد استطاع أن يحصل على رؤية أفضل، ولم يكن منه إلا أن يكون معجبًا بما يراه.

أغصان شجرة لا تصنعُ بيتًاWhere stories live. Discover now