اصطدام

1.4K 75 127
                                    

(ماذا يفعل هنا؟!)
هذا السؤال البسيط هو أول شيء مر بذهن الرجلين. كلاهما توقفا عما كانا بصدد فعله ليحدقا نحو بعضهما البعض، ويفكران إن كان الآخر حقيقيًا!

على الرغم من الجو المرتبك الذي خلفه ڤارتولو بظهوره في المقهى، هو وقف ثابتًا كما لو أنه منحوت من الخشب.

كان ڤارتولو رجلًا شديد الحذر بطبعه. لقد نشأ في بيئة قذرة، وتعرض لسوء المعاملة على طول رحلته نحو الرجل البالغ الذي هو عليه. وقد تعلّم بطبيعة الحال ألا يثق كثيرًا، الشخص الوحيد الذي كان آمنًا ليثق فيه هي أمه الراحلة. أما عن ساعده الأيمن (ميدات) فقد كانت ظروف اللقاء بينهما استثنائية، كما أنهما واجها تجارب الحياة والموت معًا، مرارًا وتكرارًا. لذا لم تكن الثقة بينهما موضعًا للمحاكمة.

أي شخص آخر سيقابله، كان على ڤارتولو أن يفكر كثيرًا بشأن المسافة التي سيأخذها بعيدًا، ورغم رغبته في الرجل الأشقر أمامه من أول مرة رآه، لم يكن ڤارتولو قد استثناه من حذره. لكن، مع مرور الأيام. وجد ڤارتولو نفسه يقلص المسافة الحذرة بينهما. لم يكن الأمر أنه قد عرى نفسه تمامًا أمامه. هو حتى كان قد أخذ قرارًا بفصل طرقهما سابقًا. لكن، كان ذلك ليس لأنه يشك فيه، بل لأنه كان خائفًا من نفسه، وخائفًا عليه.

مع كل حذره، ورغم العلاقة قصيرة الأجل بينهما، لم يشعر ڤارتولو أن ذلك المغني الأشقر سيمثل تهديدًا له.

«أخي...»
ميدات الذي اندهش من سلوك ڤارتولو، أصدر صوتًا خفيضًا كصوت صغير الوعل، ثم ناداه.

انتبه ڤارتولو لنفسه، وانعقد حاجباه. على كل حال، كان الرجل أمامه بلا شك، ووجوده هنا يحتمل سببًا وحيدًا، وهو سببٌ ثقيل ليتقبله ڤارتولو الحائر.

«ڤارتولو! أيها الخسيس! أنت بالفعل لديك الجرأة لتأتي إلى هنا؟!»
انتفض باشا والعمّ أولًا، كان العديد من رجال الحفرة يوجهون أسلحتهم نحو ڤارتولو في هذه اللحظة. لكن ڤارتولو لم يكن بدوره غير مستعد، كان رجاله بالفعل يحمونه ويرفعون أسلحتهم في المقابل.

كان باشا مشهورًا بالحدة من زمن بعيد، ربما كان ذلك من تأثير علاقته الوثيقة بالبارود والأسلحة، كان باشا رجلًا سريع الاشتعال عادةً، كان هو والعم نقيضين في هذا الجانب. لكن كلاهما قد رافقا إدريس لعقود طويلة، في مواجهة الحياة كان الثلاثة واحدًا، ولم يختلف الأمر في مواجهة الموت. علاوة على ذلك، كان كهرمان أكثر أبناء إدريس قربًا إلى الرجلين، وكان أكثر من عاشرهما منهم. فكيف لا يثوران الآن وهما يريان الرجل الذي من المفترض أنه السبب في سقوط رفيقهما وموت ابنه؟!

حجب باشا بوقوفه مشهد ياماش الجالس عن ڤارتولو، وكان ذلك الأمر أقرب لكوب ماء بارد يسقط فوق رأسه بعد أن تُدق بمطرقة ثقيلة. استعاد ڤارتولو بعض توازنه وحول نظره إلى المشهد المبعثر من حوله، قبل أن تستقر نظراته على العجوزين.

أغصان شجرة لا تصنعُ بيتًاWhere stories live. Discover now