الفصل السابع عشر

46.3K 2.8K 360
                                    

الفصل السابع عشر.

وصل سليم إلى المكتبة التي تعمل بها شمس، توقف على أعتابها باحثًا عنها بعينيه القاتمة والتي ازدادت ظلام بعدما علم بعملها، لم يتوقع سرعتها في التخلي عنه، ورسم حياة جديدة لها، وكأنه كان يفرض حصاره عليها قسرًا، فبدت وكأنها عصفور انتظر سراح مالكه ليتمرد بعيدًا عنه بعدما سجنه في قفص من الحديد لأعوام.

اهتاجت مشاعره وهو يراقبها تضحك مع رجلاً غريب عنها، واندلعت نيران الغيرة تزجه في قوقعة سوداء تعصف بروحه الشاردة بها، لهذا السبب كان يفرض حصونه المنيعة حولها، فهو غير مسوؤل عن افعال قد تدفعه للجنون والسقوط في هاوية غيرته.

اقترب أكثر بخطوات بطيئة هادئة تنافي اشتعال صدره وهياج مشاعره واضطرابها اللحظي ما بين الاشتياق والغيرة والغضب..فاستمع لحديثهما الخافت حيث كانت شمس تقف ونصف ظهرها موالي له.

- هايل يا شمس، اتعلمتي بسرعة اوي هقول للحاج كلام حلو عنك.

همست بصوتها الرقيق له تشكره:

- ربنا يخليك يا أستاذ طه.

- لا أنا مبحبش القاب بيني وبين اللي بيشتغلوا معانا..قولي يا طه وبس.

وعند هذا الحد ارتفعت أنفاس سليم بغضب جامح، واشتعلت النيران بصدره، فبدا وكأنه وحش ضاري سيقتلع رؤوسهم.

لمح طه..رجلاً يقف في منتصف المكتبة مثبتًا بصره عليهما بطريقة لم تعجبه، فقال لشمس ملوحًا برأسه اتجاه سليم:

- في زبون شوفيه.

التفتت شمس بابتسامة واسعة، اختفت فجأة حينما وقعت عيناها عليه، لا شك أن الخوف داهم قلبها حينما رأت نظراته الداكنة، ولكن تشبثت بتماسكها وقرارتها المنيعة ضد وهج عينيه المخيف.

-  حضرتك عايز حاجة معينه.

خرجت نبرتها مرتجفة بعض الشيء، رغم محاولاتها المستيمته في ابقائها ثابتة، ساد الصمت بينهما للحظات، كانت فيها لغة العيون تسيطر  على ساحة مشاعرهما المتقابلة في حرب لأول مرة بينهما.

وأخيرًا قطع صمته بنبرة خشنة خرجت من جوفة الملتهب:

- يلا.

- نعم!.

رغم أنها تفهم قصده إلا أنها اصطنعت عدم الفهم وأصرت على برودها الذي كان الشرارة التي فجرت غضبه الدفين.

- بقولك يلا من هنا.

كانت نبرته هادرة تعنفها بقسوة طالما كانت تخشها، وتخشى النظر إليه وهو في حالته الشرسة تلك.

تدخل طه بعد صمت طويل منه، يتابع حديثهما الغامض، فلم يعجبه ذلك الرجل أبدًا منذ دخوله للمكتبة بهيبة اخافته قليلاً.

- مين ده يا شمس..تعرفيه.

وقبل أن تجيب، كان هو يتحدث بتحذير قاسِ:

ندبات الفؤاد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن