الفصل السابع والعشرون

44.3K 2.6K 219
                                    

الفصل السابع والعشرون...

" لا فرار من مواجهة تُركت رهن زمن قاسي قاتل لراحتنا"

شعور قاس اجتاح صدروهم تاركًا خلفه خواء مرعب، فالأمر يشبه بمكان دافيء فجأة اقتلعت جدرانه وغزت رياح العاصفة أركانه، لم يكن هناك ساتر يحتمي به سليم بعدما تمكن الضعف منه، فكان ينتقل في إجراءات الدفن كالجسد الألي، عيونه خالية من الحياة، من الشغف، كان يتماسك بطريقة أفزعت شمس، وأقلقت والدته عليه، ولولا عناق شمس لها، لخارت فاقدة للوعي بعد تلك الصدمة الموجعة، فألقي فوق عاتق شمس المسؤولية تجاههم جميعًا.
عم الصمت المكان..جميعهم غارقون في أحزانهم، لقد أصيبت أفئدتهم بالإبتلاء، وتجرعوا من كأس الفقد والذي كان مذاقه مر وموجع.
أرجع سليم رأسه للخلف  وأغلق عيناه بإنهاك طال روحه الراكضة في سباق لا يعلم جائزته  الثمينة، حتى أنه فقد الأمل في الحصول عليها، بعدما فر حماسه منه، ولم يعد للمثابرة مكانًا داخله، لقد انتهى كل شيء كان يسعى من أجله مع موت والده، استكانت حواسه في ظل الهدوء المحاوط له ما عدا صوت والدته وهي تردف من بين شهقاتها التي مزقت قلوبهم جميعًا:

- آه يا محمد..سيبتني في لحظة، خلاص هبقا لوحدي، طب هتكلم مع مين، هعيش لمين.

ربتت شمس فوق كتفيها تحاول تهدئتها:

- اهدي يا ماما، ده أجله ولا اعتراض على قضاء الله.

وكأن الكلمات لم تخترقها كفاية، حتى صارت تهتف بحيرة:

- كان كويس، فجأة سابني ومشي، والله كان كويس.

أشعلت تلك الكلمات شرارة الغضب لدى زيدان، فانتفض فجأة كمن تذكر شيئًا لا يمكن السكوت عليه:

- لا مكنش كويس، كان جاي من برة تعبان، كان جاي من عندك أنت تعبان.

كانت أصابع الاتهام موجهه لسليم، والتي جعلت شمس تتوهج دفاعًا عن زوجها الذي في كل مرة تقع فوقه المصائب من العدم، وخرج سؤالها الشرس ترفض به ما يلوح له زيدان:

- قصدك إيه يا زيدان؟.

هنا انتبه الجميع وفتح سليم عيناه، واصطدم بأصابع زيدان نحوه، تزامنًا مع نظرات الكره والاتهام المنبثقة من عيون أخيه فأصابت قلبه بسهام حادة تنهي ما تبقى لدية من قوة كان يتشبث بها.

- قصدي إن هو قبل ما يموت بلحظة جاب اسم سليم على لسانه وكان تعبان وعينه كلها حزن.

حتى الآن لم يكن الاتهام بقول مباشر، بل كان بكلمات متلاعبة خائنة تخرج من فم زيدان المغيب عن الحياة بسبب صدمة تلقاها فجأة على يديه هزت كيانه، وهذا الأمر لم يعجب يزن فقال بصوت مبحوح حزين:

- أكيد كان عايز سليم.

- لا كان عنده، كان عايز يقولي حاجة عليه، وقلبه مستحملش، عملت في إيه، أكيد زعلته بكلامك، أكيد مستحملش قسوتك ومات...حتى أبوك مرحمتوش منك.

ندبات الفؤاد Where stories live. Discover now