نَوبةُ غَضب| ٠٤

14.7K 1.2K 538
                                    

تُهاجِرُ أسرابُ الزَّمنِ مِن الحاضِر إلَى المَاضِي، وبينَ مخالِبَها تُنشِب عَلى آمال، أحلامٍ، وأحوَال، ومَا هِي بحَمامٍ زاجِلٍ يؤُوب إِن ذَوى جَليدُ الهمِّ وانحَسرَ الغمُّ عَلى هَيام الحُبور، وتقاطَر الهَمامُ مِن أعالِي الشَّبمِ إلَى سفحِ الارتِيا...

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

تُهاجِرُ أسرابُ الزَّمنِ مِن الحاضِر إلَى المَاضِي، وبينَ مخالِبَها تُنشِب عَلى آمال، أحلامٍ، وأحوَال، ومَا هِي بحَمامٍ زاجِلٍ يؤُوب إِن ذَوى جَليدُ الهمِّ وانحَسرَ الغمُّ عَلى هَيام الحُبور، وتقاطَر الهَمامُ مِن أعالِي الشَّبمِ إلَى سفحِ الارتِياح، كأنَّها اقتطعَت تذكِرة سفرٍ أبديٍّ دونَ عَودَة، وترَكت الأحبَّاء معَ النَّدم!

مرَّ عَلى ورطَتِي لَيلتانِ بارِدتان، والثَّالِثَة تحتضِر، رغمَ أنَّ الدِّفءَ ينبعِثُ مِن حنَايا المَنزِل؛ الرَّجلَ الزَّمهريرَ الَّذي يستَوطِن أرضَه كفصلٍ شتويٍّ لَن ينقضِي، ولَو انصهَرت ثلوجَ الجَبل، وتعرَّت أشجارِ الصَّنوبرِ في ربيعِ الأُنس، تتباهَى بقوامِها الفتَّان.

لَم نتطارَح الأحاديثَ طوالَ النَّهار، لَا نلتَقي إلَّا خِلال وجبتيّ الغَداء والعَشاء، فالإفطارُ يتناولُه فُرادَى، بِما أنَّ أوقاتَ استيقاظِنا مُختلِفَة، أنا كائِن نهاريّ، وهُو كائنٌ ليليٌّ ينفِق صباحَه بأسرِه عَلى النَّوم.

التأمَ شملنا بعدَ الظَّهيرَة، حينَما نزلتُ مِن غُرفَتي بحجَّة المَلل واتَّجهتُ إلَى المَطبخ لعلِّي أصادفُه وهُو يطَهو، هُو يفعلُ ذلِك دائمًا، فأنا مُقارنةً بِه عديمةُ النَّفع، أنوثَتِي تبكِي في الزَّاوِية.

كانَ واقفًا أمامَ البار، وما خصَم المِئزرُ الَّذِي يحيطُ بخَصريهِ مِن هيبتِه الباهِظَة شيئًا. رمانِي من فوقِ كتفِه بنظرةٍ بارِدَة، اقشعرَّ لَها بَدنِي، يتحرَّى هويَّة الدَّخيلِ كأنَّ وُجودي معَه يخيِّل له أنَّه يقطُن معَ أكثرِ مِن فردٍ واحِد، إلى هَذا الحدِّ يمقُت الغُرَباء. أمَّا أنا فشَخصٌ انسِيابيٌّ كالمَاء يُمكِنني التكيُّف فِي أيِّ قالبٍ تسكُبنِي فيهِ الحَياة، يَكفِي أنَّني تخطَّيتُ خِيانَة والِدَتي وتركَها لَنا مُنذ الصِّغَر.

كُنت غارِقةً في كنزةٍ صوفيَّة قرمزِيَّة، منَحها لي البارِحَة بوجهٍ متجهِّم، وبنطلونه الحالِك، اضطُرِرت لثَني حافَّتيه كَي تتوقَّفا عَن الزَّحف علَى الأرضيَّة. اتَّكأتُ على الطَّاوِلة ورُحت أراقِبه يقطِّع الخضراواتِ عَلى الخَشبة الَّتي تعتلِي الرُّخامَ العاجِيَّ بمهارَة، أتساءلُ إن كانَت المَؤن ستخذِلُنا قبلَ نِهايةِ الحَجرِ التعسُّفيّ الَّذِي فُرضَ عَلينا!

Bed Arts| JKحيث تعيش القصص. اكتشف الآن