أُمسِيةٌ ساحِرة| ٠٥

15.3K 1.2K 490
                                    

تطوَّر العَصرُ ولكنَّ الحَياة ما استَغنت عَن أساليبِها الجاهِليَّة أبدًا، كأنَّها ما تفتأُ في عزِّ شبابِها، رغمَ أنَّ عُمرَها يتناقصُ يومًا بعدَ يَوم، تُقايِضُ الطُّروبَ الَّتِي تلتقِطُها مِن أغوارِ النَّعيم بطائلٍ مِن الدُّموعِ الحارِقَة، وإن نصك...

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

تطوَّر العَصرُ ولكنَّ الحَياة ما استَغنت عَن أساليبِها الجاهِليَّة أبدًا، كأنَّها ما تفتأُ في عزِّ شبابِها، رغمَ أنَّ عُمرَها يتناقصُ يومًا بعدَ يَوم، تُقايِضُ الطُّروبَ الَّتِي تلتقِطُها مِن أغوارِ النَّعيم بطائلٍ مِن الدُّموعِ الحارِقَة، وإن نصكَّ الأمانِي عَسى أن نُغيّر عُملَة السَّعادةِ، تُحرقِها بلَهيبِ الكُروب.

نُؤمِن أنَّ الحالَ سيتبدَّل، أو عَلى الأقلِّ ستملُّ مِنَّا وتبحثَ عَن طريدةٍ أخرَى، لكنَّ الانكِسارَ يُلازِمُنا أبدَ الدَّهر، يهدأُ لفترةٍ وجيزةٍ ثمَّ يعودُ بقوَّة زِلزالٍ عازمٍ علَى التَّدمير.

لَم أرَ الكثيرَ مِن بطشِ الحَياة شيئًا باستِثناء القُنبلة الَّتي ألقَتها عَلى سقفِ مَنزِلي، فراحَ ضحيَّتُها زواجُ والِديّ، وثِقتي بالعَلاقات، غيرَ أنِّي أخفَضتُ معاييرَ المُستقبلِ الَّذي سأحظَى بِه، ورَضيتُ برشفةٍ صغيرةٍ مِن الإشراق، لَن أطمَح للمَزيدِ كَي لا أكلَّل بخيبةٍ في نهايةِ المَطاف، لأنَّ الأملَ قاتلٌ أحيانًا، لاسِيما وإن عكَّره الوَاقعُ بسُمومِه.

كُنت اجتِماعيَّة في المَدرسَة، أوزِّعُ البَسماتِ هُنا وهناكَ بِلا حِساب، والكلُّ بنَظرِي سواسيَّة، إلَّا صديقةً وحيدةً أهدَيتُها صرحًا في وِجدانِي، لكنَّها غدَرت بِي، وآثرَت مُتعةً عابِرةً مَع خَليلي عليّ، لَا أدرِي كيفَ استَطاعَ الوُصولَ إلى لبّها، ربَّما بنفسِ الطَّريقَة الَّتي انتَهجها مَعِي، أحاديثُه الشيِّقَة، ونظراتُه الشقيَّة!

غفرتُ لجونغكوك صُراخه عليّ، لأنَّه منَحنِي عُذرًا مقبولًا مبدئيًّا، رغمَ صيغتِه البارِدَة، أصبِح شخصًا لا يُطاق حينَما يُصيبني الصُّداع، وحدَه والِدي القادِر عَلى احتِمالي، كَما أنَّنا عالِقان معًا، يسعُني التَّضحيةُ بعتبي لضَمانِ غدٍ أفضَل، لَا أطمَح لاحتِلال رُقعةٍ في قَلبِه القُطبيّ، بَل إلى قدرٍ مِن وقتِه، يسدَّ رمقَ المَلل، لَو أنَّ للجُدرانِ أفواهٌ لَما ارتَدته، سوفَ أجنُّ لومَا ثَرثرت.

تمامَ الثَّامنَة اتَّجهتُ إلى المَطبخِ لأشحَن معِدتِي، كُنت عَلى وشكِ مُقاطَعة طهوِه، ثمَّ تذكَّرتُ أنِّي أجيدُ تحضيرَ العجَّة والبَطاطَا المَقليَّة فقَط، سأسمِّمُ جسَدي لَو واظَبت عَلى الأكلِ غيرِ الصحِيّ. مررتُ بغُرفَة الجُلوس، حيثُ تراكَمت الثَّلوجُ خلفَ الجُدرانِ الزُّجاجيَّة، وحجَبت المُحيطَ الخارِجيَّ عَن أبصارِ أهلِه برمَّته، تأمَّلتُ البَياضَ المُستنِد عَليها لبُرهةٍ، قبلَ أن أستأنِفَ دَربي نحوَ غايَتِي.

Bed Arts| JKحيث تعيش القصص. اكتشف الآن