الطريق الثاني: «قاتل».

217 20 3
                                    

"فأنِستُ بِها أُنس الغَريب بالغَريِب".

- المنفلوطي.

*****

كالفراشة التي تتمايل بخفة بين شرنقات الزهور، تطيب الجراح بمرآها، تبتسم لها الثغور لجمالها وخفتها، ينفرج ثغرها عن ضحكةٍ مزهوّة، تتمايل فرشاتها بغنجٍ على لوحتها البيضاء، تلقي بألوانها الزاهية هنا وهنا، تفترش أرض صفحتها البيضاء بمروجٍ خضراءٍ ملفتة، تنبت من بينها الزهور المختلفة، صفراءُ كما بهجتها، نارية اللون كما غضبها، ونيلية بلون هدوء روحها، وباختلاط البهجة مع النار كانت تنشئ تقلباتها وحيرتها، تشبه قوس قزحٍ في مزاجيتها، تحتار في وصفها، وتختل اللغة في تعريفها، وتموت الأبجدية حين يريدون وصفها في حروف! أمثلها تكفيها أبجدية اللغة لتتحدث عنها!!

اتسعت عيناها بحماسٍ انشطر مما تراه، كما تخيلت المشهد، وضعته على بيضاء لوحتها، الأرض الخضراء بورودها، يليها بحرٌ لُجِّيٍّ بعمق روحها، أمواجه متقلبة كما هي، يعلوه صفحة السماء المزينة بسحبها القطنية، لوحة من يراها يظنها بعدٌ واحد وانشطرت منه المشاهد الطبيعية الثلاثة، لا يدرون أن ما بينهم طريقٌ من انطفاء بعد التوهج، شاطىٌ ترسو به حين تهلكها السباحة في بحارٍ ليست لها، وسماءٌ ملبدة بغيومٍ تنذر من هبوب عواصفها العاتية، يرونها هادئة، سالمة الطباع، لا يدركون بأي رياحٍ تمكث، وبأي قوة تجابه، والساحة ساحتها، وسلاح الحرب بين يديها، تارة يكون سلاحُ هزيمةٍ ساحقة، وأخرى تشهره في وجه خصمها بانتصار، وبين نارين كانت هي، ترفع راية استسلامها وقد أنهكها الصراع، وأدمتها جروح الحرب، وتنتظر يومًا تطيبُ فيه جراحها، كما تمنت وحلمت!

_ اممم، لأول مرة لوحة تعبر عنك بشكل صريح!

التفتت تناظره يستند على الباب بكتفه، يناظر لوحتها بتمعنٍ ثم يعود ببصره لها مبتسم الثغر بمكرٍ، يرفع حاجبه في حيرة وانتظارٍ للرد، لتضع فرشتها جانبًا، وبيدها الملطخة بألوانها الممتزجة كانت تبعد خصلات شعرها خلف أذنيها دون وعيٍ منها بجانب وجهها الذي لطخته الألوان، ولا بشعرها الذي اصطبغ بها، تجيب بتوترٍ نما داخلها تنفي قوله:
_ مش شرط يعني تكون بتعبر عني، دي مظاهر طبيعية يعني وبرسمها كتير إيه الجديد؟

اقترب منها يخفي ابتسامته، لدائمًا كانت قوية، وتجابه دون خوفٍ أو توتر، لا يدري لما أمامه تعود طفلة تخشى عقابه كأنها مذنبة، تتململ في وقفتها، ويتعثر حديثها، تريد دومًا أن تكون أمامه دون أخطاء، وكم أخبرها كثيرًا مسبقًا أنه حين ينظر في أخطاءها فليس لعقابها أو توبيخها، وإنما لغاية أن يوقفها دون تمادي، فلطالما كانت متحدية ومتهورة بشكلٍ يثير فزعه وخوفه عليها، هبة الله له، وتعويضه عن كثيرٍ فقده، يخشى عليها من جروحٍ تصنعها بيديها بتهورها، يخشى عليها أن تتمادى فتقع فريسةً لأنيابٍ لا ترحم، ولا تريده أن يردعها!!

وتلاقينَـا لِقـاء الغُربَاءDove le storie prendono vita. Scoprilo ora