PART -8-

182 5 0
                                    


17 - دمعة من اجل قطرة ماء .

وفي زاوية اخرى بعيد عن مناقشتنا الصغيرة حول قصة الاخت جودول .
فقد بدأت جماهير الناس بالتجمع في ساحة جريف حول وتد التعذيب والمشنقة .

واخيرا وصل المدان مربوطا الى مؤخرة عربة . وعندما جيئ به مقيدا بالحبال والاحزمة الجلدية ، وارتفعت من بين الجماهير هتافات ممزوجة بالتعليقات الساخرة . وقد عرف الناس في هذا المتهم شخصية كوازيمودو . كان هذا الجمهور الساخر اليوم هو نفسه الجمهور المصفق لبابا المجانين
امس .
اما كوازيمودو فكان هادئا لا يطرف له جفن . كان يستحيل عليه ان يقاوم امام شدة الاربطة والاحزمة وما فيها من حلقات حديدية تكاد تنغرس في لحمه . فأستسلم الى الجلادين الذين قادوه فوضعوه فوق اللوح الدائر ، على ركبتيه ، فأنقاد طائعا .
وجرد من قميصه وسترته حتى حزامه . ولم يكد الجمهور يرى حدبة كوازيمودو عارية ، وصدره كثيف الشعر ، حتى عصفت به ضحكات شديدة عالية . وارتفع صوت جوهان فروللو قائلا
:( تعالو فانظروا ايها السادة والسيدات ! انه كوازيمودو قارع اجراس اخي كاهن جوزا ) . وانطلقت ضحكات الجمهور ولا سيما الاطفال والفتيات .
واخيرا ضرب الجلاد الارض بقدمه ، وبدات العجلة تدور . وتارجح كوازيمودو تحت اربطته وقيوده ، وقد ضاعف الخوف الذي ارتسم في وجهه البشع ضحك الناس وقهقهاتهم .
وتتابعت لسعات السوط على كوازيمودو ، فاخذ يحاول تقطيع اربطته وقيوده ، ولكن الاربطة والقيود صمدت امام قوته . فاغلق عينه الواحدة ، واحنى راسه فوق صدره ، واتخذ هيئة الميت .
واخيرا ارسل احد الفرسان الشرطة اشارة بعصاه يعلن بها توقف التعذيب . فجمدت العجلة وامتنع الجلاد عن متابعة الضرب . وفتح كوازيمودو عينه ببطء شديد . واقبل خادمان فغطيا جراح كوازيمودو بمراهم خاصة ، ثم القيا فوقه ثوبا اصفر .
وبدل ان يبعث هذا المنظر الشفقة في قلوب الموجودين ، اخذ هؤلاء يرمونه بالحجارة ، ويصرخون متقززين :( الاعور ! الاحدب ! الاصم ! الوحش القبيح ) ! وبسبب صمم كوازيمودو ، فانه كان قادرا على رؤية ما يدور حوله ، ومعرفة حقد الموجودين عليه . فمنهم من كان حاقدا على خبثه ، ومنهم من كان حاقدا على قبحه . . وهذا اشد انواع الحقد نكرا .
مر بغل يعلوه كاهن وسط المشاهدين ، فبدات الابتسامة تبدو على وجه كوازيمودو طاردة حقده وثورته منذ وقع نظره على الكاهن مطلا من بعيد .
واقترب الكاهن ، وعرف كوازيمودو . لكنه ما لبث ان لوى راس بغله ، وانطلق بعيدا تخلصا من الاهانات والشتائم التي كان يمطر الناس بها هذا المعذب المسكين ، كوازيمودو .
لقد كان هذا الكاهن دوم كلود فروللو .
ومرت ساعة ونصف الساعة ، والمعذب عرضة لسوء المعاملة والسخرية . ثم انتفض المسكين فجئة في يأس متضاعف ، وقد قطع الصمت الذي كان يلتزمه بعناد بالغ ، فغطى بصراخه ضجة الهتافات المنطلقة قائلا :( الي بالماء ) !

لم يرتفع صوت واحد لينجده . ولو لو وجد بين المتفرجين الضاحكين من بعث هذا النداء في نفسه عاطفة الشفقة ، لما جرؤ على اقتحام صفوف هؤلاء الاوغاد ، والوصول اليه .
ونقل كوازيمودو نظراته بين الناس خلال دقائق ، وكرر بصوت اشد تمزيقا للقلوب :( الي بالماء ) !
والكل يضحك ، ويرميه بالحصى ، ويوجه اليه الشتمات واللعنات .
وفي هذه اللحظة راى الناس يتباعدون ، وقد بدت في وسطهم فتاة تلبس زيا غريبا ، ترافقها عنزة صغيرة . وابرقت عين كوازيمودو . لقد عرف فيها الفتاة التي حاول امس ان يختطفها . فلم يشك في انها اتيه لتنتقم لنفسها منه ، فتمسه من الاذى ما يمسه من الاخرين .
واقتربت الفتاة منه دون ان تنبس ببنت شفة ، ثم نزعت من حزامها قربة صغيرة ، ووضعت فوهتها فوق شفتي البائس المسكين .
وهنا انحدرت دمعة كبيرة من عين كوازيمودو ، وانسكبت بطيئة عبر الوجه المشوه . ولعاها هي الدمعة الاولى التي ارسلها هذا البائس في حياته كلها .
ونسي كوازيمودو ان يشرب ، لشدة تاثره . وكشرت الغجرية تكشيرتها الصغيرة تعبيرا عن نفاذ صبرها ، ثم اثبتت فوهة القربة فوق فم كوازيمودو ، وهي تبتسم . فشرب جرعات كبيرة لشدة عطشه .
وهنا اثبت الاصم المسكين فيها نظرة عاتبة ذات حزن فائق لايوصف . لقد كان المشهد مثيرا بل نبيلا فوق وتد
التعذيب .
وفي هذه الفترة بالذات شاهدت الحبيسة تلك الغجرية واقفة فوق الوتد ، فارسلت نحوها دعاءها المتجهم صارخة
:( لعنك الله ! لعنك الله ) !

احدب نوتردام ||HUNCHBACK of NOTREDAMEWhere stories live. Discover now