26 - فقدان الاملوضعت الاسميرالدا في مكان مغلق مضلم ، في اقبية قصر العدل .
كانت هناك مطمورة ، مقيدة ، وقد انهكتها السلاسل . وكانت تمر في مخيلتها صور فوبوس ، والشمس ، وشوارع باريس ، والرقصات ، ثم صورة الكاهن ، والعجوز ، والخنجر ، والتعذيب والمشنقة .
لم تكن تعرف المسكينة كم قضت من الايام في سجنها هذا . بل كانت تذكر حكما صدر في مكان ما ضدها ، وانها نقلت بعد ذالك ، واستيقظت بعد نقلها وسط الليل ، والصمت الرهيب .
وفي يوم من الايام ، في نهار او ليل ، اي لا فرق بينهما في هذه المقبرة ، سمعت ضجة اكبر من تلك التي يحدثها الحارس الذي يحمل اليها الخبز والماء في العادة .
وصر الحديد الثقيل ، وفتح الباب .
ورأت امامها رجلا مغطى من مفرق رأسه حتى اخمص قدميه، فلا ترا شيئا منه . فصرخت
:( من انت ) ؟
-:( كاهن ) .
فاقشعرت حين سمعت الكلمة والنبرة والصوت . وتابع الكاهن بصوته المثلج :( هل انت مستعدة ) ؟
-:( لأي شيئ ) ؟
-:( للموت ) .
-:( اوه ، هل اصبح قريبا ) .
-:( غدا ) .
-:( ان النور لكل الناس ، فلماذا لا تعطونني الا الظلام . اريد الخروج من هنا يا سيدي . انني خائفة ، وفي الكهف حيوانات تزحف عبر جسدي كله ) .
وفجأة انفجرت تبكي كالطفل الصغير . واخذ الكاهن بذراعها ، فسرى في جسدها احساس بالبرد . ودمدمت تقول
:( اوه ! هذه يد الموت الباردة . فمن عساك تكون ) ؟
ورفع الكاهن غطاء رأسه ، ونظرت . فاذا هي امام الوجه المتجهم المخيف الذي يتبعها منذ زمن طويل . فصرخت وهي تغطي عينيها بكفيها وترجف رجفة متشنجة :( آه ! انت هو الكاهن ) !
وتركت ذراعيها تهبطان يائستين ، ثم بقيت جالسة ، وراسها منخفض ، وجسمها كله يرجف .
اما الكاهن فبقي ينظر اليها في صمت بالغ .
وقطعت الغجرية الصمت فقالت :( اجهز علي ! ارسل ضربتك الاخيرة ) ! ثم غاصت براسها ، مذعورة ، بين كتفيها ، كالنعجة التي تنتظر ضربة الجزار .
قال الكاهن :( يبدو لي انني اخيفك ) ؟
فلم تجب . وكرر قوله ، فقلصت شفتاها كانها كانت تبتسم ، وقالت :( نعم ! ان الجلاد يسخر بضحيته .. ايتها السماء ! هذا هو القاتل .. هذا هو الذي قتل فوبوس الحبيب ) .
وانفجرت باكية ، فصرخ الكاهن :( احبك ) !
وفجأة جمدت عيناها ، وقالت وهي ترتجف :( اي حب هذا ؟ لقد كنت سعيدة قبل ان التقي بك ) .
فقال الكاهن :( وانا ايضا .. نعم . لقد كنت سعيدا قبل ان اعرفك . لقد كان العلم كل شيئ في حياتي . كنت اجد راحة نفسي في العلم والمعرفة . وفي ذلك اليوم سمعت صدى دف وموسيقى ، فنظرت الى الساحة منزعجا ، كانت فتاة ترقص . يا للجسد الرائع الذي يضئ حتى النهار نفسه ! واسفاه ، ايتها الفتاة .. لقد كنت انت هناك ) .
وتوقف الكاهن المتعب قليلا ، لينظر الى عينيها بشرود ، ثم تابع يقول :( حاولت ان اتعلق باي شيئ اجده ، وان امنع نفسي من السقوط .. لكنك ، بجمالك ، دخلت اعماق روحي ، فجعلتني شخصا اخر ، فلم استطع التخلص من خيالك .. بحثت عنك ، واحببت ان اراك دائما . ثم حاولت ان اجرب الدواء ، فحاولت ان ابعدك عن ساحة الكنيسة ، راجيا ان انساك ، ولكنك لم تكفي عن المجيئ . ثم حاولت ان اخطفك . وبعد ذالك وشيت بك الى المحكمة لتكتمل مؤامرتي ضدك ) .اخذت الفتاة تدمدم :( اه ، يا فوبوس العزيز ) !
فقال الكاهن وهو يمسك بذراعهة بعنف :( لا تنطقي بهذا الاسم ابدا . انه الاسم الذي سبب ضياعنا في لعبة القدر الغامضة .. لا تقاطعيني ! لقد حضرت محاكمتك ، وقطعت الالام احشائي . ثم تبعتك الى غرفة التعذيب ، وبينما كنت انظر اليك ، كنت احمل خنجرا احز به صدري . وحين ارسلت صرختك الاولى غرسته في لحمي . انظري ) !
والواقع ان صدره كان مجروحا .
واردف الكاهن يقوال :( اهينيني ! اسخري مني كما شئت ، ولكن تعالي لنسرع ! سينزل بك القضاء غدا . المشنقة غدا ! اتبعيني ، ولا تتركيني اقع في الهاوية ) !
-:( ماذا اصاب فوبوس الحبيب ) ؟
-:( لقد مات ) .
فقالت بصوت دائم الجمود والبرود :( مات ! فلم تحدثني اذاً عن الحياة ) ؟
اما الكاهن فلم يكن يسمعها ، بل قال يحدث نفسه :( نعم ، يجب ان يكون ميتا ، لقد نفذ الخنجر في اعماقه ، واظن انني قد اصبت قلبه ) .
والقت الفتاة نفسها فوقه وكانها نمرة غاضبة ، ودفعته بقوة نحو درجات السلم ، ثم قالت :( اغرب عني ايها الوحش ! دعني اموت ! لن اكون لك ابدا ايها الملعون ) .
وتعثر الكاهن فوق درجات السلم ، ليعتدل ويقف باستقامة ، وفتح الباب ، وخرج .
وفجاة رات الفتاة راسه يبرز نرة اخرى ، وفي قسماته تعبير مخيف ، وصرخ في حشرجة الغيظ والياس :( قلت لك انه قد مات ) !27 - الام.
عندما يضيع الطفل عن امه نهائيا ، فلا بد ان تتجمع في ذهنها عنه الاف الصور والذكريات ، تستعيدها ، محتفظة باتفه الاشياء التي كانت لطفلها الحبيب .
كانت الحبيسة ، باكيت لاشانت فلوري ، تحتفظ بحذاء جميل مطرز لابنتها الضائعة . وقد تحول هذا الحذاء الجميل الى الة تعذيب تسحق قلب الام سحقا .وفي صباح يوم من الايام المشرقة ، كانت الحبيسة تقول
:( اين انتي يا بنيتي ؟ يخيل الي ان كل ما اصابك قد حدث امس فقط ! يالهي ! يجب ان تعيد الي طفلتي ! هذا هو حذاؤها الجميل ، افلا تشفق علي ؟! خمس عشر سنة ، وانا انتظر .. لابد انها اصبحت الان صبية .. لو استطيع ان اراها مرة واحدة فقط ، ثم اموت .. ) .والقت البائسة نفسها فوق هذا الحذاء ، فهو عزاؤها الوحيد .
وفجاة سمعت احد الاطفال يقول :( ستشنق اليوم فتاة غجرية) .
وركضت المسكينة بحثا عن الامر ، فشاهدت كاهنا قريبا من كهفها ، يتظاهر بقراءة كتاب الصلاة ، ولكن انشغاله بالنظر الى المشنقة كان اعظم من انشغاله بكتاب الصلاة . لقد عرفته الحبيسة انه كاهن كاتدرائية نوتردام .
وسالته :( من سيشنقون يا ابي ) ؟ فنظر الكاهن اليها ، ثم لم يجب . وقال بعد ان اكررت سؤالها :( لاادري ) .
-:( لقد سمعت اطفالا يقولون انها غجرية ) .
-:( اظن ذالك ) .
وهنا انفجرت باكيت لاشنت فلوري بقهقهة مدوية . فقال الكاهن :( فإذا انت تكرهين الغجريات ) ؟
-:( نعم انني اكرههن .. هناك واحدة منهن اكرهها بصورة خاصة ، وقد لعنتها . انها فتاة شابة ، من عمر ابنتي الان لو لم تاكلها امها ) .
وقال الكاهن :( حسن جدا .. انها هي التي سترينها تموت اليوم ) .
وضمت الحبيسة ذراعيها بفرح و نشوة ، وقالت :( لقد تنبأت لها بذالك يا سيدي الكاهن ! فشكرا لك ) .
YOU ARE READING
احدب نوتردام ||HUNCHBACK of NOTREDAME
Romanceعادة نحن نترك امر الثقة بالاشخاص الى العينين ماذا يحدث حين تكذب العين وتزيف الحقائق وحين ينجلي ضباب الاوهام ويظهر المخفي هل يحدث ما يخطط له القدر؟ هل سنرفض؟ هل سنقاتل ؟ هل سنستطيع تغييره؟ ل ڤكتور هيغو .