PART -12-

122 4 2
                                    


26 - فقدان الامل

وضعت الاسميرالدا في مكان مغلق مضلم ، في اقبية قصر العدل .
كانت هناك مطمورة ، مقيدة ، وقد انهكتها السلاسل . وكانت تمر في مخيلتها صور فوبوس ، والشمس ، وشوارع باريس ، والرقصات ، ثم صورة الكاهن ، والعجوز ، والخنجر ، والتعذيب والمشنقة .
لم تكن تعرف المسكينة كم قضت من الايام في سجنها هذا . بل كانت تذكر حكما صدر في مكان ما ضدها ، وانها نقلت بعد ذالك ، واستيقظت بعد نقلها وسط الليل ، والصمت الرهيب .
وفي يوم من الايام ، في نهار او ليل ، اي لا فرق بينهما في هذه المقبرة ، سمعت ضجة اكبر من تلك التي يحدثها الحارس الذي يحمل اليها الخبز والماء في العادة .
وصر الحديد الثقيل ، وفتح الباب .
ورأت امامها رجلا مغطى من مفرق رأسه حتى اخمص قدميه، فلا ترا شيئا منه . فصرخت
:( من انت ) ؟
-:( كاهن ) .
فاقشعرت حين سمعت الكلمة والنبرة والصوت . وتابع الكاهن بصوته المثلج :( هل انت مستعدة ) ؟
-:( لأي شيئ ) ؟
-:( للموت ) .
-:( اوه ، هل اصبح قريبا ) .
-:( غدا ) .
-:( ان النور لكل الناس ، فلماذا لا تعطونني الا الظلام . اريد الخروج من هنا يا سيدي . انني خائفة ، وفي الكهف حيوانات تزحف عبر جسدي كله ) .
وفجأة انفجرت تبكي كالطفل الصغير . واخذ الكاهن بذراعها ، فسرى في جسدها احساس بالبرد . ودمدمت تقول
:( اوه ! هذه يد الموت الباردة . فمن عساك تكون ) ؟
ورفع الكاهن غطاء رأسه ، ونظرت . فاذا هي امام الوجه المتجهم المخيف الذي يتبعها منذ زمن طويل . فصرخت وهي تغطي عينيها بكفيها وترجف رجفة متشنجة :( آه ! انت هو  الكاهن ) !
وتركت ذراعيها تهبطان يائستين ، ثم بقيت جالسة ، وراسها منخفض ، وجسمها كله يرجف .
اما الكاهن فبقي ينظر اليها في صمت بالغ .
وقطعت الغجرية الصمت فقالت :( اجهز علي ! ارسل ضربتك الاخيرة ) ! ثم غاصت براسها ، مذعورة ، بين كتفيها ، كالنعجة التي تنتظر ضربة الجزار .
قال الكاهن :( يبدو لي انني اخيفك ) ؟
فلم تجب . وكرر قوله ، فقلصت شفتاها كانها كانت تبتسم ، وقالت :( نعم ! ان الجلاد يسخر بضحيته .. ايتها السماء ! هذا هو القاتل .. هذا هو الذي قتل فوبوس الحبيب ) .
وانفجرت باكية ، فصرخ الكاهن :( احبك ) !
وفجأة جمدت عيناها ، وقالت وهي ترتجف :( اي حب هذا ؟ لقد كنت سعيدة قبل ان التقي بك ) .
فقال الكاهن :( وانا ايضا .. نعم . لقد كنت سعيدا قبل ان اعرفك . لقد كان العلم كل شيئ في حياتي . كنت اجد راحة نفسي في العلم والمعرفة . وفي ذلك اليوم سمعت صدى دف وموسيقى ، فنظرت الى الساحة منزعجا ، كانت فتاة ترقص . يا للجسد الرائع الذي يضئ حتى النهار نفسه ! واسفاه ، ايتها الفتاة .. لقد كنت انت هناك ) .
وتوقف الكاهن المتعب قليلا ، لينظر الى عينيها بشرود ، ثم تابع يقول :( حاولت ان اتعلق باي شيئ اجده ، وان امنع نفسي من السقوط .. لكنك ، بجمالك ، دخلت اعماق روحي ، فجعلتني شخصا اخر ، فلم استطع التخلص من خيالك .. بحثت عنك ، واحببت ان اراك دائما . ثم حاولت ان اجرب الدواء ، فحاولت ان ابعدك عن ساحة الكنيسة ، راجيا ان انساك ، ولكنك لم تكفي عن المجيئ . ثم حاولت ان اخطفك . وبعد ذالك وشيت بك الى المحكمة لتكتمل مؤامرتي ضدك ) .

اخذت الفتاة تدمدم :( اه ، يا فوبوس العزيز ) !
فقال الكاهن وهو يمسك بذراعهة بعنف :( لا تنطقي بهذا الاسم ابدا . انه الاسم الذي سبب ضياعنا في لعبة القدر الغامضة .. لا تقاطعيني ! لقد حضرت محاكمتك ، وقطعت الالام احشائي . ثم تبعتك الى غرفة التعذيب ، وبينما كنت انظر اليك ، كنت احمل خنجرا احز به صدري . وحين ارسلت صرختك الاولى غرسته في لحمي . انظري ) !
والواقع ان صدره كان مجروحا .
واردف الكاهن يقوال :( اهينيني ! اسخري مني كما شئت ، ولكن تعالي لنسرع ! سينزل بك القضاء غدا . المشنقة غدا ! اتبعيني ، ولا تتركيني اقع في الهاوية ) !
-:( ماذا اصاب فوبوس الحبيب ) ؟
-:( لقد مات ) .
فقالت بصوت دائم الجمود والبرود :( مات ! فلم تحدثني اذاً عن الحياة ) ؟
اما الكاهن فلم يكن يسمعها ، بل قال يحدث نفسه :( نعم ، يجب ان يكون ميتا ، لقد نفذ الخنجر في اعماقه ، واظن انني قد اصبت قلبه ) .
والقت الفتاة نفسها فوقه وكانها نمرة غاضبة ، ودفعته بقوة نحو درجات السلم ، ثم قالت :( اغرب عني ايها الوحش ! دعني اموت ! لن اكون لك ابدا ايها الملعون ) .
وتعثر الكاهن فوق درجات السلم ، ليعتدل ويقف باستقامة ، وفتح الباب ، وخرج .
وفجاة رات الفتاة راسه يبرز نرة اخرى ، وفي قسماته تعبير مخيف ، وصرخ في حشرجة الغيظ والياس :( قلت لك انه قد مات ) !

27 - الام. 

عندما يضيع الطفل عن امه نهائيا ، فلا بد ان تتجمع في ذهنها عنه الاف الصور والذكريات ، تستعيدها ، محتفظة باتفه الاشياء التي كانت لطفلها الحبيب .
كانت الحبيسة ، باكيت لاشانت فلوري ، تحتفظ بحذاء جميل مطرز لابنتها الضائعة . وقد تحول هذا الحذاء الجميل الى  الة تعذيب تسحق قلب الام سحقا .

وفي صباح يوم من الايام المشرقة ، كانت الحبيسة تقول
:( اين انتي يا بنيتي ؟ يخيل الي ان كل ما اصابك قد حدث امس فقط ! يالهي ! يجب ان تعيد الي طفلتي ! هذا هو حذاؤها الجميل ، افلا تشفق علي ؟! خمس عشر سنة ، وانا انتظر .. لابد انها اصبحت الان صبية .. لو استطيع ان اراها مرة واحدة فقط ، ثم اموت .. ) .

والقت البائسة نفسها فوق هذا الحذاء ، فهو عزاؤها الوحيد .
وفجاة سمعت احد الاطفال يقول :( ستشنق اليوم فتاة غجرية) .
وركضت المسكينة بحثا عن الامر ، فشاهدت كاهنا قريبا من كهفها ، يتظاهر بقراءة كتاب الصلاة ، ولكن انشغاله بالنظر الى المشنقة كان اعظم من انشغاله بكتاب الصلاة . لقد عرفته الحبيسة انه كاهن كاتدرائية نوتردام .
وسالته :( من سيشنقون يا ابي ) ؟ فنظر الكاهن اليها ، ثم لم يجب . وقال بعد ان اكررت سؤالها :( لاادري ) .
-:( لقد سمعت اطفالا يقولون انها غجرية ) .
-:( اظن ذالك ) .
وهنا انفجرت باكيت لاشنت فلوري بقهقهة مدوية . فقال الكاهن :( فإذا انت تكرهين الغجريات ) ؟
-:( نعم انني اكرههن .. هناك واحدة منهن اكرهها بصورة خاصة ، وقد لعنتها . انها فتاة شابة ، من عمر ابنتي الان لو لم تاكلها امها ) .
وقال الكاهن :( حسن جدا .. انها هي التي سترينها تموت اليوم ) .
وضمت الحبيسة ذراعيها بفرح و نشوة ، وقالت :( لقد تنبأت لها بذالك يا سيدي الكاهن ! فشكرا لك ) .

احدب نوتردام ||HUNCHBACK of NOTREDAMEWhere stories live. Discover now