جريمة في ليلةٍ ماطِرة|١|.

4.6K 338 224
                                    


تزاحمت الغيُوم الرماديّة في صفحة السماء الطلساء لتتصادم ببعضها البعض كمعركة ملحمية وتُنير بذلك الضوء الساطع أرجاء واشنطن، زخّات المطر الرائع الباردة توخِزني عند ارتطامها بجلدي السميك وكأنها أشواك .. مهلًا أقُلتُ أنهُ رائع! تبًا إنهُ يؤلم بعض الشيء .

حسنًا لا يهم .. رُغم وخزاتها الحادّة لا يسعني القول سِوى أنها ليلة رائعة ومُذهلة بالتأكيد.

انتهت استراحتي القصيرة التي لا أكاد أُسميّها باستراحةٍ حتى، فأنا بالكاد استطعتُ شِراء بعض الشطائر ولم يسعني تنَاول واحِدة بعد.

نظرت للطريق حيثُ أنني كُنت أمشي على حافة الشارِع، الأشخاص من حولي بدأوا بالإختفاء شيئًا فشيئًا للهروب من المطر.

عجبًا أمرهم .. إنهم مجانين من دون شكّ .. لمَ يختبئون من المطر على أيّ حال!

في الحقيقة لم أستطع منع نفسي أكثر .. أدخلتُ الشطائر في جيب معطفي الداخليّ ورفعتُ كِلتا يداي نحو الأعلى وبدأتُ بالركض والضحك كالمجنون، تحت المطر وحدي.

"تبًا لك أيها الطفل الكبير، ألا تخجل من نفسك رايزل؟" سمعتُ هذا الصُوت المألوف يُناديني، رفعتُ رأسي لِأجد المفتّش برنارد يضع يدًا على رأسه والأُخرى يحمل بِها مظلة .. إنهُ يقف على الرصيف وعلى ما أعتقد لقد خرج للبحث عنّي حين نفد صبره.

سارعتُ بخطاي نحوَه وكعادتي قهقهتُ مُحاوِلًا تفادي سماع اسطواناته التي يُلقيها في وجهي كلّ مرة "برنارد!، من الجيّد أنك لم تأتِ، أتعلم! المخبز مزدحم حدّ الموت" أنهيتُ جُملتي تزامنًا مع إخراجي للشطائر التي خبئتها مُسبقًا داخل معطفي.

"كاذب، لابُد وأنك تتسكّع بالأرجاء كعادتك" قال وقد تناول الشطائر مني ليُسارع بالتهامها.

"مهلًا يا صاح، اترك لي القليل" مددتُ يدي مُحاوِلًا أخذها منه، لكنه التفت للجِهة الأخرى قائلًا "ستبقى من دونِ عشاء، كي لا تتسكّع مُهملًا عملك في المرة القادمة".

سار مُبتعِدًا عني وقد عزِم حقًا على تركي بمعدتي الخاوية، تبًا لبرنارد عديم الرحمة، إنه يطلب مني شراء العشاء ولا يُطعمني ولو بالقليل.

استسلمتُ لأمري البائس ولحقت بهِ مُتجهًا إلى مركز الشرطة.

مُنذ صباح اليُوم كُنت في مكتب برنارد للاطلاع على بعض القضايا التي ينقصها الكثير من الأدلّة، في الحقيقة برنارد ذكيٌ جدًا وفطِن .. لطالما أبهرتني تحليلاته واستنتاجاته المُبهرة، لا أعلم لمَ اختار أن يكون مفتشًا بدلًا من أن يكون محققًا مثلي، هذا الأحمق المخلص لعملهِ يفضّل اكتساب القليل من المال وبذل الكثير من الجهد.

جُثة في الحَقْل .حيث تعيش القصص. اكتشف الآن