|•بين الماضي والحاضر•|

879 98 16
                                    


التّرجمة: هي نقلُ الكلامِ من لغةٍ إلى لغةٍ أخرى، والتّرجمة هي التّفسير، ومعنى التّفسير مهمٌّ جدًّا لأنّه أساسُ التّرجمة، فالّذي لم يَفهَم؛ لا يستطيع أن يُفهِم غيره، حيثُ إنْ لم يفهم المترجِم الكلامَ المكتوبَ بلغةٍ ما؛ لن يستطيعَ نقلَه إلى لغةٍ أخرى.

والتّعريب: هو التّرجمةُ من اللغات الأجنبيةِ إلى اللغةِ العربية.

أما المترجم: فهو القائمُ بعملية التّرجمة، وقد جرى العُرف على استعمال لفظِ (مترجِم) لمن يقوم بالتّرجمة كتابةً، أي يقوم بنقلِ نصٍّ مكتوبٍ بلغةٍ ما إلى نصٍّ مكتوبٍ بلغةٍ أخرى.

والتّرجمان تُطلَق عادةً على التّرجمة الشّفوية.

التّرجمة لا تكونُ في الأساسِ مجرّدَ نقلِ كلّ كلمةٍ بما يقابلها في اللغة الأخرى، إنّما نقلٌ لقواعدِ اللغةِ التي توصل المعلومة، بل ونقلٌ للمعلومة ذاتِها، ونقلٌ لفكرِ الكاتب وثقافتِه وأسلوبِه أيضًا.

تُعتبر التّرجمة فنًّا مُستقلًا بذاتِه، حيثُ أنّه يعتمدُ على الإبداع والحسّ اللغويّ والقدرةِ على تقريبِ الثقافات، كما يمكّن جميعَ البشرية من التَواصل والاستفادة مِن خبرات بعضهم البعض، فالتّرجمةُ فنٌّ قديمٌ قدم الأدب المكتوب.

قد تكون أوّلَ إشارةٍ إلى وجودِ مُترجمين هي الرّسائل الّتي أرسلها أُمَراءُ الشّام إلى إخناتون يَطلبونَ فيها المالَ أو المَعونة.

وتتوالى الإشارات بعد ذلك في المُعاهدةِ التي عُقِدَت بين رمسيسَ الثّاني فِرعون مصر، وملك الحيثيين حيثُ كانت بِيَدِ كلِّ ملكٍ منهم صورةٌ للمعاهدةِ بلغتِه.

وقد يكون شيشرون الرّوماني هو أوّل مَنْ حاولَ وضعَ منهجٍ محددٍ للترجمة، فقد اقترح أن يقرأ المُترجِم النّصَّ الأصليَّ بلغتِه الأصليّة ثم ينحّيه جانبًا، ويشرعُ في إعادةِ كتابتِه باللغةِ المنقولِ إليها دونَ الالتزام بالتّرجمة الحرفية.

ويُعتبَر عمر بن الخطاب المُعرّبَ الأوّل، حيثُ أمرَ بتعريب الدّواوين نقلًا عن الفُرس، كما وكانت أوّل ترجمةٍ ذاتِ طابعٍ علميٍّ في عهدِ الدّولةِ الأمويّة على يدِ خالد بن يزيد بن معاوية.

كانتْ ذروة التّرجمة في عصر الخليفةِ المأمون ابن هارون الرشيد، الّذي أنشأَ بيتَ الحكمة، وجمعَ فيه كلَّ ما أمكَنَهُ الحصول عليه من كُتُبِ اليونانِ والسريانِ والهنودِ والفُرس والرّومان. وكان نَجمُ التّرجمة في هذهِ الفترةِ خليلَ بن إسحاق الذي كان يتقاضى وزن ما يُترجمُه ذهبًا.

والتّرجمةُ في النّقل طريقتان، إحداهُما أنْ ينظر إلى كلمةٍ مُفردة من الكلمات الغربية، وما تدلّ عليه من المعنى، فيأتي النّاقل بلفظةٍ مفردةٍ من الكلمات العربية الّتي ترادفها في الدلالة على ذلك المعنى، فيثبّتها وينتقلُ إلى أخرى، يستمرّ هكذا حتى يأتي على جملةِ ما يريد تعريبه. وهذه الطّريقة رديئةٌ لوجهين أحدُهما أنّه لا يوجد في الكلماتِ العربيةِ كلماتٌ تقابلُ جميعَ الكلمات اليونانيّة. وإثرَ ذلك وقع خلالَ التّعريبِ إبقاءُ كثيرٍ من الألفاظِ اليونانيّة على حالها.

الطّريقةُ الثّانية تتمثّلُ في أنْ يأتي بالجملةِ فيحصّلُ معناها في ذهنه، ويعبّر عنها في اللغة الأخرى بجملةٍ تطابقُها، سواءً سارتْ الألفاظُ أم خالفتها، وهذه الطريقة أَجوَد.

ونتيجةً لاحتكاكِ الغَربِ بالعَرَب أثناء الحروبِ الصّليبيّة في المشرق العربي، وكذا في الأندلسِ وصقلية؛ بدأتِ التّرجمة العكسيّة من العربيّةِ إلى اللاتينية واللغاتِ القوميّةِ الأوربيّة، فتُرجمَت مؤلّفاتُ علماءِ العَرَب، لتبدأَ النّهضةُ العلميّةُ في الغَرب.

بدأَ انفتاحُ العالمِ العربي على الغربِ مرّة ثانيةً بصدمةِ الحملةِ الفرنسيةِ على مِصر، وكان المحرّكَ الأساسيّ هو حاجةُ محمد علي للعلومِ الغربيّة لأسبابٍ حربيّة، ثم انتكستْ حركةُ التّرجمة على يد خليفتِه عباس لتنتعشَ مرّةً اخرى من عصرِ إسماعيل إلى يومنا هذا.

في مرحلةِ التّرجمةِ الكُبرى الأولى في العصر العباسيّ، كان اهتمامُ المترجمين مُنصبًّا أساسًا على العلوم مثل: الطّبِّ والهندسةِ والفلسفةِ والتي يمكن اعتبارها تُراثًا إنسانيًّا عالميًّا تراكميًّا. حيثُ لم نجد ترجمةً لإلياذة هوميروس، أو مسرحياتِ سوفوكليس، أو إنيادةِ فرجيل، رو رامايانا الهنود، والّتي هي على عظمتها مُجرّدُ ثقافةٍ محليّةٍ خاصّة.

كذلك في مرحلةِ التّرجمة العكسيّة، لم نجد الأوروبيين يُترجمون المُعلّقاتِ السّبع، أو نقائضَ جرير والفرزدق، أو قصائدَ المتنبي، وكذلك عندما انفتحتْ اليابانُ على العالمِ الغربيّ، لم تأخذْ منهُ إلّا علومَه تاركةً له آدابَهُ وثقافاتِه الخاصة.

أما في مرحلة التّرجمةِ الحاليّة، فنجدُ أنّ الغالبيةَ العُظمى للأعمالِ المترجمةِ إنما هي لأعمالٍ أدبيّة، والقليل منها للعلومِ الحديثة.

وترجمةُ الأعمالِ الأدبيّةِ والفلسفيّةِ ضروريّةٌ لفهم ثقافاتِ الأممِ المُختلفةِ وكيفيّةِ تفكيرِ أبنائِها، ولكنْ في حدودٍ لا تُعرّضُنا لخطرِ الذّوبانِ في ثقافتِهم وضياعِ تُراثِنا وثَقافتِنا الخاصّة.

--------
الفصل من كتابة العضو زبرجد

صِحَاف وزمر Where stories live. Discover now