|° اليوم الذي تكتب فيه الآلة°|

166 26 67
                                    

«والآن أنا تعبتُ من نفسي

فاسمحوا لي أن أكون منعشًا بالأزرق

مسكونًا من خلال السماء العارية

حيث الماء البارد يُدفئ الهواء الأزرق

لامعًا بزهو لا يصل أبدًا

كي يبدو ليقول.»

«قصيدة من كتابة آلة»

هل يمكن أن تكتب الآلة يومًا؟

أن تُخرج فكرة وتصنع رواية؟ أن تخط بعقلها المبرمج ومكوناتها الجمادية كلماتًا وأفكارًا ومشاعرًا؟

قد تجد في هذه الفكرة يا سيدي رعبًا طفيفًا، وتبدأ بالتفكير شاردًا في هذا السؤال من شرفة منزلك، وكوب من الشاي الساخن تحتضنه يداك، هل سيحدث يومًا ويكون كاتبك المفضل آلة؟

لا تقلق سيدي المشاهد، لقد حدثت بعض من مخاوفك  بالفعل وقد كتبت الآلة..

لا توقع كوب الشاي فضلًا! وحافظ على ما تبقى من رشدك! وضع في عقلك معلومة جديدة! أن القناعات تتهدم تدريجيًا مع الزمن، وأنا هنا لهذه المهمة، أن أُسقط قناعاتك.

فقد  قام فريق من الباحثين اليابانيين بالمشاركة مع الذكاء الاصطناعي في كتابة رواية تم اختيارها في مسابقة أدبية  فريدة من نوعها، حيث أنها تقبل مشاركات من أطراف غير بشرية، تحمل اسم «اليوم الذي يكتب فيه كمبيوتر رواية» وكانت جُهدًا جماعيًا بين المؤلفين البشريين، بقيادة «هيتوشي ماتسوبارا» من جامعة المستقبل هاكوداته، وكذلك، الكمبيوتر «ماتسوبارا».

واجتازت الرواية الجولة الأولى من تصفيات هيئة المحلفين لجائزة أدبية وطنية في اليابان تدعى جائزة «نيكاي هوشي شينيتشي» الأدبية.

وهذا ما يجعلنا نقف ونفكر قليلًا، هل ستتحول خيالاتنا المستحيلة إلى حقيقة؟

صحيح أن الآلة لم تكتب رواية إبداعية من الدرجة الأولى، وكان الأمر بمساعدة مجموعة من البشر، ولكن هذا يجعلنا نفكر في احتمالية أن تكتب في المستقبل بنفسها دون مساعدة، وأن يخرج لنا أول كاتب آلي في ساحة الكتاب.

لطالما وجدنا أفكارًا في قصص الخيال العلمي تحولت اليوم إلى حقيقة، كرواية «جورج أورويل» الأشهر ١٩٨٤ التي تنبأت بالكثير مما نراه على أرض الواقع «والتي ظهر في إحدى مشاهدها عمال يقرأون كتبًا من كتابة الآلات» وكلمة روبوت أصلًا ظهرت  لأول مرة عام ١٩٢٠، في مسرحية الكاتب المسرحي التشيكي «كارل تشابيك»، غير الأفكار الكثيرة التي ظهرت في الكثير من أفلام وروايات الخيال العلمي، عن روبوتات تحب، وروبوتات تحتل البشرية وغيره.

وتَحُقق الكثير مما ظنناه  خيالًا يزيد  احتمالية أن تكتب الآلة يومًا رواية كاملة لا تفرق بينها وبين الروايات من كتابة البشر شيئًا.

المخيف يا سيدي في أن تكتب الآلة، ليس  فقط في أنك ستقف يومًا ما أمامها  لتأخذ توقيعها، أو أن ينتهي عصر كتابة البشرية ويبدأ عصر جديد تحت أدب الروبوتات، المخيف أن الهوية البشرية قد تندثر في مواجهة هوية الآلة، ذلكَ السيناريو الذي نسمعه من الصغر ويسبب لنا طيف رعب يتلبسنا يشغلنا وننساه مع الزمن؛ أن يختفي البشر بجانب جبروت الآلة، وتصبح البشرية تحت قيادتها.

أجل، ذلك السيناريو المبتذل، الذي رغم تكراره واستهلاكه إلا أنه مخيف، نزحف بشكل أو بآخر نحو تحقيقه.

تفضلوا عصير الليمون الطازج سيريح أعصابكم قليلًا، آخ ولا تقلقوا تحقيق هذا السيناريو يحتاج الكثير من الأعوام - سنكون أمواتًا على الأغلب-.

لنقف وقفة تخيلية، لو كتب الروبوت أدبيًا بشكل ذاتي، كيف سيكون؟

الأدب يعبر عن دواخل الإنسان ويعكس حياته، فكيف يا ترى سيعكس الروبوت حياته في الأدب؟

إذا كانت معاناتنا كبشرية لسنين، تظهر في الحروب، العنصرية، القتل، والفساد… فماذا ستكون معاناة الآلة؟

سأترك هذا السؤال لك، لتخرج به إبداعًا وأفكارًا مختلفة، ولا بأس في أن تكتبها فقد نجد تنبؤآتك يومًا ما حقيقة، من يدري!

قد أجد الفضول ينتابك حول تاريخ الإنسان الآلي!

في الحقيقة لقد تمثّل بأشكال عدة في العصور القديمة، وإن لم يكن بشكله الحالي وتقنيته الحالية.

ففي مصر الفرعونية تحديدًا طيبة، كان يوجد تمثال للملك ممنون يصدرأصواتًا جميلة، وفي اليونان اخترع «أركيتاس» عالم الرياضيات، حمامة آلية يمكنها الطيران، وكذلك الجزري  حيث قام بصناعة آلات ذاتية الحركة عاملة بالماء، وأسطورة  بيجماليون التي تعد البذور الأولى لفكرة إنشاء حياة من مادة مصنعة آليًا، فتحكي هذه الأسطورة عن بيجماليون الذي  قام بعمل نحت من العاج على صورة امرأة جميلة جدًا، لدرجة أنه وقع في حبها، وسأل آلهة الحب أن تزوجها إياه فأشفقت عليه وجعلت الحياة تدب في هذا النحت وتزوجها!

وغيرها من البدايات البسيطة التي ساهمت في  صناعة الروبوت بالشكل الذي نراه حاليًا.

لكن سؤالنا الملحمي بكونك قد تكون كاتبًا سيدي، هل تقبل أن تنافسك آلة، أن تؤلف عنك، أو تأخذ مكانك؟

فمن رأيي أنه بكتابة الآلة ستقل قيمة الأدب، والجهد الذي يستغرق الكاتب لن يكون له معنى، من الجميل أن يصنع الإنسان آلة، ولكن ليس من الجميل أن تأخذ مكانه وهنا المعضلة، قد يكون الشكل البدائي من الحياة هنا حلًا لسلامة النفسية أو البشرية!

صحيح الآلات لم تصل بشكل كامل نحو الحياة الذاتية، إلا أننا وبلا شك ندفعها نحو هذا الطريق، وقد حذر مسبقًا العالم «ستيف هوكينغ» أن الذكاء الاصطناعي من الممكن أن يقضي على الجنس البشري!

وختامًا لليلتنا سيدي، وقبل أن أرحل هنا تاركًا لك أفكارك وخيالاتك تحلق في الأفق، وهو أننا ما زلنا بشرًا ضعفاء نفسيًا، تهزنا التعقيدات، وتهزنا الحياة المملة الخالية، وهذه هي الفجوة التي صنعتها الآلة داخلنا.

«ليس الذكاء الاصطناعي ما أنا قلق حوله، بل الغباء الإنساني!»

نيل جاكوبستين.

-الفصل من كتابة العضو «داتو»

صِحَاف وزمر Where stories live. Discover now