|°نظرة نحو التابو الأدبي°|

163 35 24
                                    


لا شك أن مقولة «كل ممنوع مرغوب» لم تأتِ من فراغ، ستجد لهذه المقولة مرادفات لذات المعنى في معظم لغات العالم، فاهتمامنا بالأشياء يزداد عند منعها والحرمان منها - حسب دراسة كندية -.

لطالما وصف النُقاد بعض النصوص الأدبية بأنها «متجاوزةً للتابو»، والمعنى هُنا أنه تطرق للمحرمات في الكتابة عند العرب، ألا وهي: الدين، الجنس، السياسة.

إنه طريق محفوف بالمخاطر، ومن سلكه عليهِ أن يعي حقيقة ما سيواجهه من عقبات، وهو أيضاً الطريق الأقصر للشهرة.

هي سلاح الكاتب السطحي ليلفت الأنظار لهُ، لكن المبدع الحقيقي فهو من يوظف هذه المواضيع من أجل حل مشكلة أو إيصال مغزى، بعيداً عن المتعة الزائفة والشهرة المؤقتة.

بالرغم من المحاولات على مدار التاريخ إلا أن القرن الواحد والعشرين كانت البداية الحقيقية للتطرق للمحظور أدبياً وانحسار تابو الجنس أولاً، وظهرت رؤية واعية أن مناقشة هكذا موضوعات لا تستهدف استثارة الغرائز، بل هي مسألة توعوية تحل مشكلة وتُعالج قضية.

بدأ الأمر بترجمة وإخراج الدكتور رياض عصمت لمسرحية «يقظة الربيع» على خشبة مسرح الحمراء بدمشق، حيثُ ناقشت المسرحية تساؤلات الشباب حول الحياة والموت والحب بشكل خاص وقمعها من قِبل الكبار مما يجعل المراهق مُعاقب نفسياً وإجتماعياً وفكرياً.

موضوع يحمل في طياته الكثير من الجرأة، الجدير بالذكر أن تلكَ المسرحية لاقت استحسان الجمهور الدمشقي نظراً لأهمية التصدي لعواقب انعدام توعية المراهقين في المنزل والمدرسة.

على غرار ذلكَ فقد تعرضت الكاتبة السورية سمر يزبك للكثير من الانتقادات عندما تناولت التابو الجنسي في كتاباتها مما تسبب في هجرتها من بلدها.

الأدب ساحة كبيرة، معقدة ومتشابكة، بتشابك قضايا الإنسان، اهتماماته وهواجسه وصراعاته ونزواته، ومن المؤكد أن قضية أساسية في نشاط الإنسان كالجنس سيتم تناولها ولو بطريقة عرضية.

يتعالى الأدب على التابوهات الاجتماعية، والقيم الاخلاقية، من حيث أنه مبحث جمالي يهتم بالشكل، لا الموضوع، فحتى المواضيع المبتذلة والمكررة قد تتحول لأعمال أدبية قيمة في حال تقديمها بشكل جيد، وهذا يعني أن الأدب أما جيد أو غير جيد، مع مراعاة اختلافات الأذواق بين مختلف القراء، بينما لا يمكننا إطلاقاً تقسيم الأدب إلى جنسي وغير جنسي بمفهوم الجيد والسيئ، لأن الكثير من الأعمال الجيدة قد تحتوي مشاهد جنسية، بينما قد لا تحتوي أعمال أخرى على مشهد جنسي واحد ومع ذلك لا تُعتبر عملاً جيداً.

يُعتبر إحسان عبدالقدوس أول الروائيين العرب الذين ولجوا في رواياتهم للثالوث الأدبي.. حيثُ كتب مئات القصص التي ناقشت الواقع المصري، وبعدما تم منع إحدى رواياته من النشر كتب رسالة للرئيس جمال عبد الناصر وذكر فيها: «أن الواقع أقبح من هذا وأكتبه من أجل الإصلاح».

إن القيمة الأساسية للفن هي الجمال، فهو محاولات تقديم كل مألوف بشكل أجمل، أو تغريب ما هو معتاد لجذب دهشة المتلقي، ولا يستثني الفن موضوعاً من التناول، إذاً فمن المنطقي جداً أن تمر المشاهد الجنسية في الأعمال الأدبية، ومن الطبيعي أن تتم محاولات توظيفه وإخراجه في قوالب فنية، وفي هذه الحالة يجب أن يكون الحكم شكلي، فكل مشهد جميل كان موظفاً في مشروع أدبي بشكلٍ جيد، وبَعُد الأدب عن تسطيح فكرة الجنس وتسليعه، وخدم المشهد غرضاً أدبياً دون أن يتم اقحامه اقحاماً في النص، وبعد عن الابتذال، والتكرار غير المفيد، وابتعد الأديب عن استخدام الجنس كمحفز تسويقي لأعماله.

وإذا أردت النظر إلى التابو الديني فهو أشد خطورة من التابو الجنسي.. الدين عكس الجنس فلهُ أوجه مختلفة لا تقل خطورة عن بعضها البعض، وهو شديد الحساسية.. إن لم يعرف المبدع كيف يتناوله سيصطدم بالمجتمع ككل، فالدين يُعتبر حقل مليء بالألغام، وقد تتشابك خيوط من السياسة بهِ مما يزيده تعقيداً.

ونظرة بعض الأدباء بخصوص حريتهم بالولوج لهذا التابو أنها حرية مصلوبة على أقلامهم، فلا يميلون لهُ خوفاً من كسر أقلامهم.

أو أنهم يلجأون للنصوص المبطنة التي تحتمل تأويلين، وهذه مشكلة بحد ذاتها.. على الأديب أن يعرف ماهية وظيفته ورسالته، عندما يتطرق للدين لا يجب عليه أن يُطلق الأحكام.. هذا حلالٌ وهذا حرام، بل يُعطي تساؤلات تبعث على التفكر والتدبر حتى يصل للتغيير المراد حصوله عن طريق الآخر بعد وصوله للمُراد بيسر وسهولة.

أما في ما يخص التابو السياسي فقد صُنِّف بأخطر التابوهات من بين الثلاثة، فمن يتطرق لهُ إما أنهُ يعيش في المنفى بعيداً عن يد السلطة التي يتحدث عنها، أو أنه نَقَد من مات ولم يعد لديه سلطة، عدا ذلك فهو معرض للخطر بالتأكيد.

لا يخفى عن الجميع ما عاناه نجيب محفوظ أو أحمد نجم في سبيل تطرقهم لنقد النظام القائم آنذاك، وغيرهم الكثير من الأسماء مثل الشاعر أحمد مطر، والروائي عبد الرحمن منيف، فالتابو السياسي قد يُكسر، يُخترق، لكنه لا يختفي أبداً.

إن جعل اختراق التابو هدف للأدباء يحيل الجماليات إلى هامش، ويكون التنافس بين الكُتّاب على من يتجرأ باختراق التابو أكثر حتى أصبح الحديث عن الروايات الحديثة غالباً يتناول حدود الاختراق للتابو الثلاثي وأصبحت الجماليات قيمة ثانوية.

الأدب ساحة مفتوحة، والأدباء يهتمون بالإنسان، وهواجسه، وهمومه، ونزواته، دون أي استثناء.

إن الاصطدام بالمحظور بشكل مباشر لا فائدة منه، بل الأفضل هو التطرق له بطرق إبداعية توصل الفائدة للقارئ والمجتمع وتؤثر بحل المشكلة دون إثارة الطرف الآخر وإضاعة الفائدة المُراد إيصالها للقارئ بجدالات عقيمة.

كتبه العضو أوكتان سيڤيدور.

صِحَاف وزمر Where stories live. Discover now