|°أدب الرحلة°|

150 25 51
                                    

نسيم البحر العليل يتجول في الأرجاء كاسرًا حدّة أشعة الشمس. الرمل يتسلل بخفّةٍ، يدخل إلى نعالنا مسببًا الضيق لنا. صوت موج البحر في مدٍّ وجزرٍ يداعب أسماعنا، وطيور النورس فوقنا تنشدُ لحنًا عذبًا يخدّر حواسنا.

مرحبًا أيها الرفاق، محدثكم اليوم  كوكب الماركيز

رحلتنا اليوم ستكون على متن السفينة التي ترونها أمامكم، سنترحل من الشرق إلى أقاصي الغرب، ثم نصعد شمالًا، ونغادر بعدها للجنوب، يرافق تراحلنا استكشاف نوعٍ عريقٍ من الأدب؛ أدب الرحلة.

هيا، امسكوا أيادي بعضكم البعض، وعاونوا رفاقكم على الصعود!

أدب الرحلة -وكما يظهر من اسمه- أدبٌ يسرد فيه الكاتب ما صادفته من أحداث وأمور في أثناء رحلته، وقد يكون هذا السرد خياليًا، أي أن هذه الأحداث لم تقع.

المستكشفون والمترحلون هم المحرك الأول لهذا الأدب، فقد اهتموا بتسجيل كل ما التقطه بصرهم من مشاهد وأحداث، ومظاهر وعادات، وآثارٍ وثقافات، ودوّنوا كل ما وصل سمعهم من أهازيج ولغات، ومقولاتٍ وآداب، مشكّلين مصدرًا مهمًا للتاريخ والجغرافيا وعلم الاجتماع.

تتصف الأعمال المدرجة تحت هذا الأدب باحتوائها على مجموعة من القصص التي يخوضها المترحل، ويخوض الكاتب في تفاصيل جغرافية المناطق، والطبيعة التي تحيط به، وطبائع السكان وأنماط المعيشة، والتراث ومختلف الأفكار والأساطير في المنطقة.

ولو أردنا الابتداء بأهلنا العرب وترحالهم، فسنجد أنهم عرفوا أدب الرحلة منذ القدم، فنجد الأعمال الأدبية تبتدأ من القرن الثالث الهجري مع رحلة السيرافي إلى المحيط الهندي، ورحلة الإدريسي الأندلسي التي جمعها في كتابه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، تتلوها رحلاتٌ توزعت في شتى أقطار الأرض على مدى السنين، فهذا الرحالة البيروني الذي نقل تجربة رحلته إلى الهند، ورحلات ابن جبير الأندلسي.

وبالتأكيد لن ننسى أعظم رحالةٍ عربي، ابن بطوطة الذي تنقل على مدار سبعة وعشرين عامًا، فقد خرج صديقنا من مدينة طنجة في المغرب إلى شتى بقاع الأرض، فطاف مصرًا، وبلاد الشام، والحبشة، والحجاز، والعراق، وبلاد فارس، واليمن، وعُمان، والبحرين، وتركستان، وبلاد ما وراء النهر، كما زار الهند والصين وبلاد التتار وأفريقيا.

وعندما عاد ابن بطوطة إلى مسقط رأسه -المغرب-، روى رحلته وتفاصيلها على محمد الكلبي، الذي جمع هذه الأحداث في مؤلف واحد، تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، الذي ترجم إلى عدة لغات، حتى صار يُلقب بأمير الرحالة المسلمين الوطنيين.

"من طنجة مسقط رأسي، يوم الخميس 2 رجب 725 هـ / 1324م، معتمدا حج بيت الله الحرام وزيارة قبر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، منفردا عن رفيق آنس بصحبته، وراكب أكون في جملته، لباعث على النفس شديد العزائم، وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة كامن في الحيازم. فحزمت أمري على هجر الأحباب من الإناث والذكور، وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور، وكان والداي بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وَصَباً، ولقيت كما لقيا نَصَباً".

صِحَاف وزمر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن