بنت الصباغ

363 3 0
                                    

بنت الصـباغ

الفصل الأول
1- المتنافسان

حدّث راوي هذه القصة منذ مئات من السنين أن طفلني صغيرين كانا في مثل سنك وذكائك، عاشا في مدينة بغداد، في منزلين متقابلين، على نهر دجلة.

وقد جمعتهما مدرسة واحدة، كما جمعهما حيّ واحد، وبلد واحد وزمن واحد.

وكان كلاهما محباً للدرس مقبلاً على العلم، لا يقصّر في أداء واجب مدرسي، ولا يقرّ قراره أو يسبق لداته وأترابه (أي الأولاد الذين ولدوا وتربوا معه)، ويبذّ أقرانه وأصحابه (أي يفوقهم ويغلبهم)، في طلب العلم وتحصيله، والاستزادة من فنون الثقافة، وأفانين المعرفة، أي أساليبها وأجناسها وطرقها.

2- بين عهدين

ولم تنقطع المنافسة بينهما منذ طفولتهما حتى بلغا سن الشباب، ولم يفتر منهما العزم، أعني: لم تسكن منهما الهمة بعد حدتها، ولم تلن منهما العزيمة بعد شدتها، بل زادت في مرحلتي الشباب والكهولة، عما ألفاه في زمن الطفولة.

وقد قسم لأحدهما وهو أبو حمزة عليّ بن صابر أن يعيّن أمير شرطة بغداد، كما قسم للآخر وهو أبو ثعلبة زياد بن طلحة أن يعين حاكماً عليها.

3- الخبيث والطيب

قلت لك أيها الصبي العزيز إن هذه الطفلين كان كلاهما في مثل سنك (أي عمرك)، وفي مثل ذكائك، ولم أقل إن كليهما كان في مثل آدابك وأخلاقك. ولو قلت ذلك، لوقعت في خطإ لا يغتفر.

فقد كان أبو حمزة يجمع إلى ذكائه وإقباله على التحصيل طيبة القلب وطهارة اللسان، فهو أسبه إنسان بك، لأنه لا يفكر إلا في الخير، ولا يتأخر عن بذل المعروف لمن يستحقه. وكان لا يخطر له الأذى على بال، ولا يجزي على الإساءة بغير الاسحان، فلقّب لذلك بـ “الموفق”.

أما أبو ثعلبة فكان على العكس من صاحبه، مثالاً للخادع الدساس، المولع بالكيد والإيقاع بين الناس، فهو لا يسخّر ذكاءه وفطنته، وعلمه وبراعه، في غير الإساءة والضر، وجلب الأذية والشر، فأطلق عليه عارفوه لقب: “المرامق”. فلا تعجب إذا قلت لك إن الخلاف قد بدأ يدب بينهما منذ طفولتهما، لأن الخبيث والطيب لا يستويان، والمسيء والمحسن لا يأتلفان، والشرير والخيّر لا يتفقان، والمرامق والموفق لا يجتمعان. وكان من الطبيعي أن يتنكر كلاهما للآخر (أي: يصبح غريباً عنه)، فلا يرضاه صديقاً له وصاحباً.

4- عزل الموفّق

وقد ذاعت بين الأهلين منافستهما في عهد الطفولة، وخصومتهما في زمن الشباب والكهولة. وتحدث الناس بما عرفوه من أخبارهما، منذ استقبلا أيام الدراسة الأولى، إلى أن بلغا منصبي إمارة الشرطة وحكومة المدينة. وهما من أرفع المناصب التي يتطلع إليها سراة القوم، أي أشرافهم. وما لبثت دسائس المرامق أن انتهت بإقالة الموفق (أي عزله) من منصبه. ولم يكن نجاحه في كيده ومؤامرته، شافياً لحقده وحزازته. والحزازة: وجع في القلب من غيظ أو حسد.

حكايات قبل النوم.... قصص هادفة للأطفال حيث تعيش القصص. اكتشف الآن