الفَصلُ الأَول: بَارونُ اللَيل.

1K 48 209
                                    

فِي غُرفةٍ وَاسعةِ المِساحة لَا مَنفَذ لِنورٍ فِيهَا إِلّا مَن سَنا الظَّهيرةِ الَّذِي يَخترقُ السَّتائرَ البَيضَاء، تَبايَنت أَلوانُهَا بَين اللَونِ البُنِي الَّذِي اِكتسَح الرُّفوف وَالمكَتب، واللَونِ الرَّمادِي الَّذِي زَينَ الجُدران، الَّتِي بِدورهَا زُينَت بِنقوشٍ هَندسيةٍ سَوداء، وَافتُرشَت الأَرضيةُ بِساطًا خَشبِي اللَون. وَعلى أَحد الأَرائِك المنجَدة جَلسَ الإِيرل رِيفَن نَايترَاي، وَأَمامهُ مِنضدةٌ فَوقهَا تَكومَت أَعقابٌ مِن السَّجَائر عَلى صَحنٍ زُجاجِيٍ شَفاف مَع العَديدِ مِن المِلفَاتِ الّتِي تَراكَمَت بعَشوَائِية، لَمسةٌ وَاحدةٌ وَستنَهَارُ مُخلفةً فَوضى مِن الَورق.

بَدأَ بِتقلِيب المُستندِ الَّذِي بَين يَديهِ مُتفحِصًا إِياه، ثُمَّ حَملَ الرِّيشةَ وَغمَسها فِي المِدواة عِدةَ مَراتٍ اِستعدَدًا لِلتَّوقِيع، لَكن اِتضحَ أَنّهَا خَاليةٌ مِن المِداد. فَدَلكَ مَا بَين عَينَيهِ بِتعبٍ جَليٍ عَلى المَلامِح، وَاِرتَأى أَن يَأخُدَ قِسطًا مِن الرَّاحةِ ثُمَّ يَطلبَ مِن أَحدِ الخَدمِ مَلأها.

فِي هَذهِ الأَثنَاء، تَناهَى إِلى مَسمعهِ صَوتُ طَرقاتِ البَاب، وَقبلَ أَن يَأذنَ لِلطّارِق بِالدُّخول، كَان قَد وَلجَ الغُرفةَ بِالفِعل غَير عَابئٍ بِالأَداب، أَو كَونَ مَن اِقتحَم مَكتبهُ هُو إِيرل ذَا مَكانةٍ خَاصة لَدَى المَلكةِ فِيكتُوريا.

أَدارَ رِيفَن رَأسهُ نَاحِية الزَّائِر، جَسدٌ مَمشوق، طُولٌ فَارع، بَشرةٌ حَليبةٌ بَيضاء، وَشعرٌ كَسُخامِ اللَيل بَدى، كَما اِلتَمعَ مِحجرَاه بِزرقةٍ لَازَوردِية، يَرتدِي سِروالًا أَسود اللَون، وَصدريةً رَماديةً يَعتليهَا مِعطفٌ رَسمِيٌ بِذاتِ لَون السِّروال.

وَبدلَ اِنزعاجِه مِن قِلةِ أَدبِه، رَسمَ عَلى ثَغرهِ بَسمةً بَاهِتة، يُرحِّبُ بِهَا بِصديقِه العَزيز الَّذِي أَلقَى بِنفسِه عَلى الأَريكةِ المُقاصِدةِ لَه، وَاضعًا يَدًا عَلى خَلفيتهَا وَالأُخرَى بِقبعتِه الدَّعجاء تَعبث. وَعينَاهُ حَول المَكان تَستكشِفان، حَتّى اِستقَرتَا عَلى الإِيرل الَّذِي يبدُو مُتعَبا، وَهذا بَيِّنٌ مِن السَّوادِ الّذِي اِكتَسحَ أَسفَل العَينَين، وَالمَظهرِ المُزرِي.

ضَيقَ الزَّائرُ عَينَيه بِحدةٍ وَهُو يَقول بِرِيبة: «هَذا غَريبٌ بَعضَ الشَّيء؛ لَيسَت مِن عَادتِكَ تَأجِيلُ عَملكَ حَتّى تُصبحَ بِهذِه الحَالةِ المُزرِية. هَل لِي أَن أَستنتجَ أَنّ سَببَ هذَا هُو مَا طَلبتنِي لِأجلِه؟»

وَقبلَ أَن يَسمَع رَدًا مِن رِيفَن، شَخرَ بِسخريةٍ مُضيفا: «وَهل تَأكُل حَتّى؟»

ثُمّ رَمقَ مِطفَأةَ السَّجائرِ المُمتلِئةِ بِاِشمئزازٍ مُعقبًا عَلى كَلامِه: «كَما أَنّ السَّجائرَ لَيسَت طَعاما، أَتتُوق لِهلاكِ نَفسك؟»

بارون الليلHikayelerin yaşadığı yer. Şimdi keşfedin