الفَصلُ الرَّابع: جَريمةٌ فِي وَضحِ النَّهار؟

324 24 78
                                    

عَلى حَافةٍ عُشبيةٍ مُسطحةٍ لِبُحيرةِ لُوخ نِيس كَانَ إِيثَان يَسير وَعيناهُ عَلى البُحيرةِ لَا تُفارِقان، وَخلفهُ تَواجدَ خِادمهُ الشَّخصِي الذِّي يَستمعُ بِرحَابةِ صَدرٍ وَاِبتسامةٍ لَم تُفارقِ الثَّغرَ للِحظةٍ إِلى تَذمرِ آستَر حَولَ غَبائِه الذِّي لَا يَعلمُ أَينَ حَل عَليهِ حِين وَافقعَلى طَلب ذَلك الغِرَ الصَّغيرَ بِالمَجَيئِ إِلى سكُوتلَاندا، فَبجدية مَا الفَرقُ بَين لُندُن وَهذَا المَكان؟!

حَالمَا كَفَ عَن التَّذمرِ قَليلا، اِنتهَز فِينيَاس هَذهِ الفُرصةَ لِيدلِي بِافتِراضِه وَالّذِي كَان كَالقشةِ الّتِي قَسمَت ظَهرَ البَعير؛ أَيعقلُ أَنهم قَطعُوا مَسافةً كَهذِه مِن أَجل أُسطورةٍ سَخيفةٍ حَول وَحشِ لُوخ نِيس؟!

«أَيهَا الفَتى! لِنعُد الآن.»

عَلى صِياحِ آستَر نَما قَوسُ عُبوسٍ مُزينًا مَلامحَ المُخاطَب الّذي هَتفَ بِاِستياء: «لِم؟ لَقد وَصلنَا توا!»

وَمن دُون أَن يُبالِي بِمشاعِر الطِّفل أَو بِالأَذَى الّذي سَيُسببهُ لَه رَد عَليه بِجفاء: «كَفاكَ تَضييعًا لِلوقت، لَا وُجودَ لِشيءٍ يُسمَى وَحشًا هُنا!»

«وَما أَدراك!»

عِندئذٍ طَفحَ الكَيلُ بِالنِّسبةِ لِخاله، فَاِكتست البُرودةُ نَبرتهُ الّتي تَخللتهَا بَعضُ العَصبيةِ حِينَ أَجاب: «لَو كَان مَوجُودًا حَقا، أَتَعتقدُ أَنه لَن يَظهَر مُجددا؟ لِذا كَفاكَ أَحلامًا وَاهِيةً وَدعنَا نَعُد أَدراجَنا.»

أَبلسَ إِيثَان مُغتاظًا وَقد وَسوسَت لَه الشَّياطينُ بِالهَرب بعيدًا وَتركِه يَبحثُ عَنه حَتى يَكادَ قَلبهُ يَتوقف اِنتقاما، لَكن لَمسةَ خَادمِه الحَانِية عَلى رَأسِه وَاِبتسامتِه اللَطيفةِ وَهوَ يُحاولُ مُواسَاتَه حَالتا بَين ذَلك، إِذ قَال لَه بِنبرةٍ كَانت النَّقيضَ لِنبرةِ ذَلكَ الخَال المُزعج: «سَيدِي الصَّغير، إِلى مَتى تَودُ البَقاء هُنا؟ مُنذُ مُدةٍ وَنحنُ نَسير وَلا شَيءَ غَريب حَدث...»

«أَظنهُ يَنوِي السِّباحةَ أَيضا.»

وَلأنَ كَلام فِينيَاس قَد قُوطعَ إِثرَ سُخريةِ أَسخمِ الشَّعر، فَقد قَابلهُ بَعينينِ مُغمَضتينِ مَع اِبتسامةٍ لَطيفةٍ دَبت الرُّعبَ فِي أَوصاله؛ فَكلُ إِنشٍ مِنه شَعرَ بِالتَّهديد، وَكأَن الرِّسالةَ التِّي يُريدُ إِيصالهَا كَالآتِي: كَلمةٌ أُخرَى وَستدفعُ حَياتكَ ثمنًا لَها.

وَلن يَكذبَ لَو قَال أَن هَذهِ أَولُ مَرةٍ يَخافُ مِن شَخصٍ مَا بِمثل هَذا الكَم؛ لَيس يُبالغُ لَو قَال أَن هَالتهُ تُشبهُ هَالةَ القَتلةِ المُتعطشينَ للدِّماء، وَمن أَجل هَذا فَقد أَخد اِحتياطاتِه بِأن لَا يُزعجَ إِيثَان فِي وُجوده.

بارون الليلWhere stories live. Discover now