الفَصلُ الخَامِس: جَمِيل آل عَاصِم.

225 23 120
                                    

أَكثرُ مِن ثَلاثينَ عَربةً اِجتمَعت فِي السَّاحةِ المَرصوفةِ بِالحَصى الصَّغيرة، إِضافةً عَلى ذَلك فَقد كَانت هُناكَ تَجمعاتٌ عَائليةٌ بِالقُربِ مِن بَوابةِ الأَكادِيمية يَنتهِزونَ الوَقت القَصيرَ المُتبقِي لَديهم لِتودِيع صِغارِهم أَو نُصحِهم لِاِجتنابِ المَشاكِل.

وَمِن بِينِ كُل تِلكَ الأَجَسادِ مُتفاوتِة الحَجمِ وَالطُّول وَالتِّي اِكتسَت زِيًا مُوحدًا -وَإِن اِختلَف فِي لَونِ رَبطةِ العُنق، وَالصَّدرِية دَلالةً عَلى المَهجَع الّذِي يَنتمِي إِليه كُل فَرد-، كَان عِبارةً عَن سِروالٍ أَسودَ وَسترةٍ مِن نَفس اللَونِ مُخططة بِاللونِ الأَحمرِ عِند اليَاقة، تَميزَ إِيثَان فِي وَسطِهم بِشعرهِ الأَمهقِ النَّادر، وَالذِّي كَان عَابسَ المَلامِحَ مُنزعجا، يَشدُ الخِناقَ عَلى حُضنِ وَالدِه يَرجُوه أَن يَسمحَ لَه بِتمدِيد إِجازتِه، إِلا أَنّه يُقابلُ بِالرَّفضِ القَاطِع.

مَسدَ رِيفَن بِلطفٍ عَلى رَأسِه فِيمَا يَبتسمُ بِتكلُف، ثُم قَال: «لَقد نَاقَشنَا هَذا سَابِقا، لَن أَسمحَ لَكَ بِتمدِيد العُطلة.»

«اِسمَح لِفينياس بِمُرافَقتي إِذن.»

«أَنت تُدركُ أَن وُجودَ الخَدمِ مَمنوع.»

وَمجَددًا قُوبلَ طَلبهُ بِالرَّفض إِلا أَنّه لَم يَستأ حَقيقة؛ فَهُو يُدركُ هَذا جَيدا، لَكِن مَا يُثيرُ حَنقهُ هُو كُرههُ للِأكَادِيمِية أَو بمَعنًى أَدَق كُرههُ لِأُولئكَ المَغرورِين الّذِين يَحسبُونَ أَنفسهم مَلكُوا الدُّنيا لِاِرتفاعِ مَكانَتهم الطَّبقية وَثرائِهم.

وَعلَى غَفلةٍ مِنه اِختطفتهُ مَاريَانَا مِن حُضنِ زَوجهَا إِلى حُضنهَا مُربتةً عَلى ظَهرِه بِخفة، ثُمَ قَالت: «لَا تَبتئِس أَيا اِبنِي العَزيز؛ فَما هِي إِلا مُدةٌ صَغيرةٌ وَبلمحِ البَصرِ سَتنقَضي.»

فَرَت ضِحكةٌ خَفيفةٌ مِن شَفتَي رِيفَن قَبلَ أَن يُعقبَ عَلى كَلامِهَا بِسُخرية: «هَل أَنت تُصبرينهُ أَم تُصبرِينَ نَفسك؟»

عَلى كَلامِ زَوجهَا السَّاخِر وَالمُحقِ فِي آن سَمحَت لِنفسهَا بِرسمِ اِبتسامةٍ عَابسةٍ عَلى مَحياهَا، وَمِن هَذا الصَّدد بَادلهَا الصَّبي العِناقَ مُواسِيا: «لَا بَأسَ أُمي، سَأُزعجكِ دَومًا بِرسائلي!»

جَراءَ كَلماتِه اللَطيفةِ اِخترَق سَهمٌ قَلبهَا مُقبلةً إِياهُ عَلى جَبينِه فِيمَا هَتفَت بِحمَاس: «صَغِيرِي هُو الأَفضل!»

لَم تَدُم هَذِه اللَحظةُ الحَمِيميةُ طَويلًا إِذ تَمَت مُقاطَعتهَا جَراءَ صَوت الهَمِيس، فَاِلتَفت الأَعناقُ بِتزامُنٍ مُنذهِلينَ وَمُتفاجِئينَ فِي ذَاتِ الوَقتِ مِمَا رَأتَ الأَعيُن؛ قَطيعٌ مِن الجِمَال يَقتربُ مِنهم، وَعلَى أَحدهَا تَواجَدَ صَبيٌ يَبدُو فِي العَقدِ مِن عُمرِه، أَسمرُ البَشرة، يَققُ الخُصلاتِ، وَذَهبيُ العَينَين، وَكمَا زُينَ رَأسهُ بِعصابةٍ حَمراءَ مَشدودَة بِإحكَام، يَضُمُ يَديهِ عَلى صَدرِه وَجَالسًا القُرفضاءَ فَوق ظَهرِ الجَمل.

بارون الليلWhere stories live. Discover now