الفَصلُ الثَّانِي عَشر: جُرحٌ مِن المَاضِي لَن يَندمِل.

140 10 40
                                    

أَصواتُ خُطواتٍ أُخرى غَير خُطواتِهم اِرتَقت إِلى مَسامِعهم، مَا جَعلهُم يُوقفُونَ مَسيرهُم، وَكِلًا مِن كَايل وَلينُوس يَتبادَلانِ النَّظراتِ القَلقةِ وَالحَائِرة؛ فمِن المُحالِ عَلى أحدٍ أن يَعرفَ الطُّرقَ السِّريةِ فِي هَذهِ الأَكَاديمِية عَدَا المُدِير وَالأَقلية الّتِي وَضعَ ثِقتهُ بِهم، مَا لَم يَخُنه أَحد، وَهذَا غَيرُ مُمكِنٌ بَل وَمُستحِيلُ الحُدوث، إِذًا كَيف؟ هَذا مَا تَبادَر إِلى ذِهنيهِمَا. وَقبلَ حَتّى أَن يُفكِّرَا فِي طَريقةٍ للهَرب مِن هَذا المَأزِق سُدَّ طَريقهُم مِن قِبلِ جَماعةٍ مِن الرِّجالِ اِتشحُوا بِالسَّوادِ وَفي يَدهِم المُسدَسات، جَاهِزينَ للإِطلاقِ فِي أيّ لَحظة، ومِن مُنتصفِهم تَقدمَ رَجلٌ نَاحِيةَ المُدير مِن هَيئتِه الوَاثقةِ وَالمُتغطرِسة بَدى قَائدَهُم، بِبُطءٍ يَخطُو خُطوةً وَراءَ الأُخرَى، وَشعرهُ الفِضيُ وَراءَ ظَهرِه يَتمايلُ بِخفة، بِاِبتسامةٍ غَزت مَحياه نَطقَ بَعد أَن بَات لَا يفصلهُ عَن قرمِزي العَينين إِلّا ثَلاثُ خُطوات: «يُسعِدُني رُؤيتُكَ بَعد كُلّ هَذا الغِياب.»

اِرتكَز المُخاطَب عَلى عَصاه المُزينة بِرأسِ نَسرٍ فِضيٍ فِيمَا يَرد بِسُخرِية: «اِشتقتَ لِي؟ هَذا لَيس مِن عَادتِك أَلَار.»

بَينمَا تَولى لِينُوس حِمايةَ الأَطفالِ بِدفعهِم وَراء ظَهرِه غَارقًا فِي فِكرِه؛ بَاحِثًا عَن حَلٍ يُنجِيهم دُون أَضرَار، فِي حِين أنّ الصِّبيةَ الثَّلاثَة بَدلَ الاِرتِياعِ وَالهَلعِ مِن هَذا المَوقفِ الخَطِير اِخَتارُوا أَن تَرتَسمَ الصَّدمةُ وُجوهَهُم، وَتُلجِمَ أَلسنتهُم، فالمُناقشَة الجَاريةَ تَوًا مِن قِبل مَا يُفترضُ أنّه يُدعَى أَلار وَمُديرِهم الأَحمَق جَعلتهُم لَا يُصدقُونَ مَا أَذانهُم سَمِعت، وَمَا عينَاهُم رَأت جَراءَ التَّغيُر الجَذرِي لِتصرفاتِ هَذا الأخِير عَمّا اِعتَادُوا، فَلم يَقدِر عَقلُهم عَلى الاِستِيعابِ وَترجمةِ المَوقِف بِشكلٍ مُناسب. فَقد بَدى كَايل فِي هَذهِ اللَحظةِ بَعيدًا كُلّ البُعد عَن الشَّخصِ المُستهترِ الأَحمق الّذي لَا يَدرِي مَا يَعمَل.

وَبذكرِ هَذا الأخِير فَقد حَاوَل بِقدرِ مَا يَستطيعُ الحِفاظَ عَلى رَباطةِ جَاشهِ أَمامَ اِستفزازِ مُحدثِه، حَيثُ قَالَ بِجُمود: «لَا أَظُن أنّ مَشاكِلنَا تَستدعِي إِقحَامَ الأَطفَال فِي هَذا المَوضُوع.»

«هَل تَعتقِدُ ذَلك؟ للأَسفِ أَنا لَا أَظنُ هَذا أَبدا.» مَع أخِر كَلمةٍ لَه رَفعَ يَدهُ كَإِشارةٍ لأتبَاعهِ بِإشهارِ مُسدسَاتِهم نَحوَ لِينُوس وَالصِّبية، أَمرٌ وَاحدٌ مِنه وَسيكُونون فِي عِدادِ المَوتَى، وَهذا مَا جَعل الغَضب يَستكِين فِي دَواخِله وَيفقدهُ هُدوءَه.

«أَلار أَسمُوديث!» ضَربَ عَصاهُ أَرضًا مُزمجِرًا بِغَضب، بِحدةٍ ضَيقَ عَينَيه، وَبِحنقٍ وَقهرٍ شَديدَين صَرّ عَلى أَسنَانِه؛ فَشعُور العجزِ الّذي يُراوِدُه حَاليًا جَعلهُ يَكرهُ نَفسهُ البَائِسة، إِذ لَا يَودُ إِشرَاكَ الأَطفَالِ أَو أيٍّ مِن الأَبريَاء حَقًا فِي مَشاكِله الشَّخصِية، لَكن أَلَار شَخصٌ مُختلٌ بِالكَامِل.

بارون الليلWhere stories live. Discover now