الفَصلُ السّادِس عَشر: أَسفٌ بَعد فَواتِ الآوَان.

80 6 7
                                    

بِخطى بَطيئةٍ يُحركُ كَايل قَدَميهِ حِين نَطق: «الأَنانِيةُ هِي هَذا القَانُون المُحدّدُ للشُّعور، الّذي عَلى أَساسِه تَكُون الأَشياءُ الأَقرَب هِي الأَكَبر وَالأَثقَل، فِي حِين أَنّ كُلّ تِلكَ الّتي تَبتعِدُ تَقِلُ حَجمًا وَثِقلًا. هَل سَمعتَ بِهذا قَبلًا؟»

اِبتسامةٌ وَاثقةٌ تَعلُو مَحياه، لَا وُجودَ لندمٍ أَو تَردُّد، مَا سَمحَ لِمُحّدِثه أَن يَرسُم بَسمةً مُستمتِعة، فَقد أَدركَ خِياره، مَا قَالهُ تَوًا هِي مَقولةٌ صَرحَ بِها فرِيدرِيك نِيتشه، مُستخدِمًا قَانُون الرِّياضيات المَنظُورية للتَّشبِيه، حَيثُ قَصد إِيصالَ فِكرةٍ وهِي أنّ الشّخصَ يَرى فقط مَا يسُدّ أُفقَه البَصرِي؛ أيّ الأَهم وَالأبرَز. بَينمَا يَذهبُ الثّانِي نَحو التّلاشِي المُطلَق، الّذي يَحملُ عَدم الأَهمِية، وَبهذَا لَن يَكُون خِيارُه سِوى صَديقِه العَزيز؛ لينُوس.

ثمّ أَردَف الأَدعَج بنبرةٍ سَاخِرة: «أَعتذِرُ عَلى تخيِيبِ أَملك؛ لَكنّي كَكلّ إِنسانٍ شَخصٌ أَنانِيٌ لَا يَهتمُ إِلّا بِنفسه، لَستُ قِديسًا يُحاوِلُ إِنقاذَ الجَميع، ولَا نِيةِ لي أن أكُونَ كذلِك. لِذا مُحاوُلتُكَ فِي جَعلي أَخُوض صِراعًا مَع نَفسي، حَيثُ أنّ النَّدمَ سَيُرافِقني أَيًّا مَا اِخترتُه، لَن يَحدُث مُطلَقًا.»

فحَدّجهُ الفِضى ببَصرِه وَلم يَر مَا يدُلّ عَلى كَذبِه، لَم تُشع عَينَاه بِبريقِ الذّنب أو النّدم، بَل وَرفَعت مَلامِحهُ رَاياتَ اللّا مبالاةِ وَعدمِ الاِكثِرات، وكأنّ حياةَ هَؤلاءِ الأَطفالِ لَيسَت مِن اِهتمَامَاتِه، وَقد زَاده هَذا تَقديرًا وَإعجَابًا بِه.

لَعَق شَفتيهِ بِبسمةٍ شَيطانِية، يُراقبُ تَحركاتَ كَايل الّذي تَقدمَ بهُدوءٍ نَحو رَفيقهِ الصّغِير، اِحتضنهُ مدةً قليلةً ثمّ دفعهُ ليهروِل نَحو وَالدِه، فِي تِلكَ الأَثنَاء بَاغَت فِينيَاس بِركلةٍ أَفلحَ بِتفادِيهَا، مَا أَرجعهُ خُطواتٍ للوَراء، وَقد كَانَت تِلكَ نِيته، إِذ أخرَجَ سِكينًا مِن كُم قَميصِه، فَيصوِبهُ عَلى الحَارسِ بِجانِب الأَطفال، فَيخترِق قلبَه بِمهَارة، مُغمغمًا مَع نَفسهِ بِسُخرِية: «لَم أَعتقِد لحظةً أنّ تدرِيباتَ وَالدِي الجَهنمِية مُنذ الصّغر ستكُون حقًّا مُفيدةً يومًا مَا.»

حَملقَ بِهدوءٍ في مَجموعةِ الأَطفالِ البَاكِية، وَالمُرتجِفةِ رُعبًا، سَواءً أَحالفهُم الحَظّ فِي النّجاة اليَوم مِن عَدمِه فَهذا لَيسَ مِن اِهتمَامَاتِه، مَا يهمُه أنّه أَراحَ ضميرَهُ وَلو بِمُبادرةٍ صَغِيرة.

قَهقهَ فِضيُّ الخُصلاتِ بِتهكُم، بينمَا يُلقِي نَظراتٍ باردةً عَليه، وَيبدُو أنّ صبرهُ قَد نَفدَ بِالفِعل، ثمّ قال: «أنتَ حقًّا تَفُوق تَوقُعاتِي دَائمًا.»

فرقعَ إصبَعيه، فَتحتشدُ جماعةٌ من الرّجالِ المُلثمِين، نحرُوا رقابَ الأطفالِ دونَ أن يرِفَ لهم جَفنٌ وسطَ ضحكاتِ هذا الأوّلِ الهِيستِيرية، ثمّ مباشرةً ودونَ تضييعِهم لأيّ وقت اِنقضُوا على كايل وجَماعتِه، صرّ هذا الأخيرُ على أسنانهِ متمتِمًا بِغيظٍ بينمَا يتصدَى للهُجوم: «إنّه شَيطَان!»

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Jan 31 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

بارون الليلWhere stories live. Discover now