الفَصلُ العَاشِر: كَالضِّياءِ فِي الغَسق.

145 11 17
                                    

اِخترَق سَمعهُ صَوت الضَّجيجَ مُزعجًا بِذلكَ لَحظاتَ نَومِه الهَانِئة، لِتنفصلَ أَجفانهُ بِبطء، وَأَثناءَ ذَلك شَعر بِالأَلم، شَعر بِه حِينمَا حَاولَ زَحزحةَ جَسدِه، أَحس بِالخَدر، وَكأنَ جَسدهُ شُل بِالكَامِل، وَبمَا أنّ تَحركهُ سيفقدُه طَاقةً هُو فِي حَاجةٍ مَاسةٍ لَها، فَضلَ البَقاءَ سَاكِنا، وَاِستخدامَ عَقله كَونهُ الشَّيءَ الوَحيد القَادرَ عَلى مُساعدَته فِي الوَقتِ الرَّاهِن.

مَسحَ المَكانَ الّذي هُو فِيه بِعينَيه، لِيتضحَ أَنّه مُستودَعٌ قَديمٌ وَمهجُور، وَسُرعَان مَا تَذكَر حَادثةَ الإِختطَاف، لَكن مَا لَا يَفهمُه، مَا بالُ جَسدهِ مُدمرٌ هَكذا؟ وَكأنّ أَلافَ الإِبرِ تَخزهُ فِي آن.

بُتَر تَفكِيرُه الدَّاخِلي مِن قِبل القَائِل بِمَرح، وَكأنّ مَا هُم فِي خَضمِ مُواجَهتهِ شَيءٌ هَيّن لَا عَسير: «أُوه، لَقد اِستيقَظت! صَباحُ الخَير.»

حَدقَ بِه بِاِنزعاجٍ كَيفَ يَقفُ أَمامَهُ بِاِبتسامةٍ سَامَة، مِن خِلالِهَا تُدركُ أَنّ لَه مَكرًا كَالثَّعابِين، شَخصٌ خَطرٌ لَا يَجبُ العَبثُ مَعه، لَكن فِي نَظرِ إِيثان هُو مُجردُ طِفلٍ شَقيٍ مِثلهُ عَاجزٌ عَن فِعل أَيّ شَيء، كُل مَا يُجيدهُ هُو التَّلاعُب بِالكَلماتِ وَاِستفزَاز مَن هَب وَدب.

فَجأةً اِنتَبه إِلى قَيدِه المَفكُوك، فَعلمَ أنّه اِستَطاعَ تَخليصَ نَفسهِ مِنه وَكذَا مُعاينةِ المَكانِ الّذي هُم فِيه مَحبُوسُون، لِذَا تَساءَل عَن نَتائِج بَحثهِ وَإن كَان غَيرَ مُتفائِلًا بِشأنِ ذَلكَ كَثيرا.

«لَا مَخرج، هُناكَ نَافذةٌ يُمكِنُ الوُصولِ إِليهَا عَن طَريقِ تَسلُق كُومةِ الخُردَة تَحتهَا، لَكن عَلى مَا يبدُو أَن الخَاطِفين كَانُوا نَبيهِين جِدا، فَوضَعُوا تَحتهَا مَن يَحرُسها.»

لَم يُصدم الأَمهق أَو تُحبَط مَعنوِياتُه فَقد تَوقعَ شَيئًا مِن هَذا القَبيل، اِستجمَع كُلّ قِواه مُحاوِلًا النُّهوض، فَأحسَ كَما لَو أنّما تَيارًا كَهربَائِيًا سَرى فِي كَافةِ أَنحاءِ جَسدِه، لَكن ذَلكَ لَم يَمنعهُ مِن مُواصلةِ مُحاولتِه حَتى نَجحَ أَخيرا، وَفرت مِن عَينِه دَمعةٌ كَشفَت المَستُور.

بَدلًا مِن طَلبِ المُساعَدة مِن أَسِيل حَاولَ إِيثَان فَكَ قَيدِه مُستعِينًا بِمَا قَرأهُ ذَاتَ مَرةٍ فِي إِحدَى الرِّوايَات، وَفيمَا يَفعلُ ذَلك سَأَل: «لِمَ جَسدِي مُحطمٌ هَكذا؟»

صُدمَ أَدهمُ الخُصلاتِ لِلحظة، ثُمَ اِنفجَر ضَحكًا حَتى كَادت دُموعُه تَتأرجحُ بَين أَهدَابِه، ثُمَ صفَر بِاِستمتاعٍ قَائِلا: «أَلا تَتذكَر؟ لَقد نِلتَ إِعجابِي يَا فَتى وَقتئذ!»

بارون الليلWhere stories live. Discover now