الفَصلُ الثَّالث: غُموضٌ مُحاطٌ بِالغَرابة.

303 26 205
                                    

«أُمي هَل سَيموت؟»

«بَعد إِذنكِ سَيدتِي، دَعينِي أُغير المَاء.»

«سَأكونُ مُمتنةً لَك فِينياس، وَأنت أَيُها الشَّقي تَوقف عَن التَّلفظِ بِالهُراء!»

أَصواتُ الحَركةِ وَالكَلام أَزعجَت لَحظات السَّلامِ التِّي كَان يَهنأُ بِها، فَاِنكمشَت أَجفانهُ بِاِنزعاج، وَببطءٍ رَاحَ يَفتحهمَا مُجعدًا الجَبين، وَحالمَا تَجهزَ لِرفعِ صَوتهِ مُتذمرًا مِن الذِّي أَفسدَ نَومه فُوجئَ بِصوتهِ المَبحُوحِ الذِّي يَكادُ لَا يُسمَع، إِضافةً إِلى ألمٍ حَادٍ فِي الحَلق مَع جَفافٍ شَديد، وَكأنهُ لَم يَسقِ ضَمأهُ مُنذ قُرون. فَوقَ كُلّ هَذا كَان جَسدُه مُحطما؛ حَركةٌ مِنه تَجعلهُ يَشعُر وَكأنَ أَلافَ الإِبرِ تَخِزه.

تَلمَسَ جَبينهُ فَوجدهُ يَشتعلُ مِن الحَارة، فَتيقَن أَنّه أُصيبَ بِالحُمى، لَكن السُّؤال الذِّي يَطرحُ نَفسهُ هُنا، لِمَ مَرض وَجسدهُ لَيسَ بِالضَّعيف؟!

«أُوه، لَقد اِستيقَظ!» هَتفَ إِيثان بِتفاجُئٍ عَقبَ اِنتباهِه لِاِستيقاظِ آستَر، مَا اِسترَعى اِنتباهَ وَالدتِه التِّي رَاحَت تُوبِخه دُونَ أَن تَصمُت: «أَيهَا الأَنوك المُغفل غَيرُ المُبالِي الوَغْب! هَل هُناكَ شَخصٌ عَاقلٌ يَمشِي تَحتَ المَطرِ لِيبتَل وَيمرض؟! فَقط أَخبرنِي بِماذا كُنتَ تُفكِر!»

اِستغرابٌ وَحيرةٌ تَجلت عَلى أَماراتِه هِي كُل مَا تَمكَن أَدعجُ الشَّعرِ مِن الرَّد بِه؛ فَبالكَادِ اِستطَاعَ اِستيعَابَ كَلمةٍ وَاحدةٍ مِنها؛ إِذ أَن رَأسهُ يَكادُ يَنفجرُ مِن الصُّداعِ الذِّي يَجتاحُه وَهي عَازمةٌ عَلى زِيادةِ التَّعذيبِ بِصراخِهَا المُصمِ للأذَان، إِضافةً عَلى كُلّ هَذا مَا الذِّي تَعنيِه بِالمَشي تَحت المَطر؟

مَظهَرهُ الذِّي بَدى غَير قَادرٍ عَلى فَهم مَا تَقصدهُ جَعلهَا تَتيقنُ أنهُ لَا يدرِي شَيئًا مِما حَصل، وَبمَا أَن أُمورًا مُشابهةً لِهذَا الحَدث قَد جَرت فِي صِغرهمَا فَبسهُولةٍ اِستطاعَت اِستنتَاج المُشكل حَيثُ اِستطرَدت: «لَا تُخبرنِي أَنكَ مَازِلت تَمشِي أَثنَاء نَومك!»

«مَا الذِّي حَصل لِي؟» نَبسَ مَع حشرَجةٍ هَامِسةٍ مَسموعةٍ لَدى الثَّلاثةِ المُتواجِدينَ فِي الغُرفة، بَينمَا الصَّبي يُحاولُ بِكلِ مَا وُسعِه شَد لِسانِه عَن السُّخرية؛ فَهوَ لَا يَودُ أَن يُغيرَ رَأيهُ بِشأنِ خُروجِهمَا. وَبالنِّسبةِ لِفينياس فَقد كَان يَعصرُ المِنشفةَ لِيضعهَا عَلى جَبينِ هَذا الأَول.

«لَقد أَبلغتنِي إِحدَى الخَادمَاتِ بِأنكَ مُصابٌ بِالحُمى، فَهرعتُ لِغرفتكَ لِلاِطمِئنانِ عَليكَ وَتفقدِ حَالتك، وِحينمَا كُنت أُغيرُ المَاءَ فِي الحَمَام لَمحتُ مَلابسكَ المُبتلة.» رَدت مَاريَانا عَليه، فَهمهمَ مُتفهمًا وَإن كَان هَذا الأَمرُ يُؤرِقه، ثُمَ اِنتبهَ إِلى شَيءٍ فِي كَلامهَا لِيسأل بِاِستِفهام: «عَلى أَي حَال لِمَ أَنتِ مَن يَعتنِي بِي بَدل الخَدم؟»

بارون الليلWhere stories live. Discover now