الفَصلُ السَّادِس: زَائرٌ غَيرُ مُرحبٍ به.

196 23 74
                                    

«مِن المُؤسِف أَننَا لَن نَكونَا رَفيقَي سَكنٍ بَعد الآن.» هَتفَ جَميل بِاِستياءٍ وَعينَاهُ تُنذرَانِ بدَمعٍ دَاهِس؛ إِذ أَنّه وَبِسببِ إِهمالٍ مِن المُدير تَم نَقلهُ إِلى مَهجَع غَاردِينيَا بَدل مَهجَعِ فرِيسيَا، مَا يَعنِي أَنّه لَا يُمكنُ لَه أَن يَكُونَ شَريكًا لِإِيثَان فِي الغُرفة فَهُوَ لَا يَنتمِي إِلى ذَاتِ مَهجَعِه.

فَأكَادِيمِيةُ سَكارلِيت العَريقة الّتِي لَا تَقبلُ إِلا الطُّلابَ ذَوِي المَكانَات الرَّفِيعة، تَستخدمُ طَريقةً فَريدةً فِي تَدرِيسهَا؛ إِذ تَقسمُ الطُّلابَ إِلى أَربعِ مَجموعَات، وَكُل مَجموعةٍ إِلى مَهجَعٍ مُعينٍ تَنتمِي.

البَراءةُ وَالنَّقاء، كَلمَتانِ تَعكِسانِ مَهجَع فَريسيَا، حَيثُ لَا يَجتمِعُ فِيه إِلا ذَوِي القُلوبِ الصَّادِقة، وَاِختصاصُ هَذا المَهجَع هُو الفُنونُ الجَميلةُ بِشتَى أَنواعِها. تَاليًا مَهجعُ بُوفارديَا؛ الحَماسةُ وَالتَّعصب؛ هَذا هُو مَا عَليه، وَكُل شَخصٍ فِيهِ يُتقنُ الرِّياضةَ وَالقليلَ عَن فُنونِ الدِّفاعِ عَن النَّفسِ بِالفِطرة، وَلو تَم تَشبيهُ هَذا المَهجَع بٍكلمةٍ فَستكُون «السَّافَانا».

الدَّهاءُ وَالمَكر أَساسُ مَهجعِ أَلكَامَاس الّذِي تَميزَ بِحُب طُلابِه لِصنعِ السُّموم، وَهُم أَكثرُ مَن يَجبُ أَن تَحذرَ مِنهم، فَإِن تَم اِستفزَازُهم لَن يُمرِروا ذَلكَ مُرورَ الكِرام. وَآخِر مَهجعٍ هُو مَهجَعُ الغَاردِينيَا، مَكان حَيثُ يَجمعُ الطُّلابَ ذَوِي الذَّكاءِ وَالحِكمة، مُحبِي الكُتب وَالمَعرِفة.

رَبتَ زُمردِي العَينَين عَلى كَتفِ الأَسمرِ مُواسِيًا فِيمَا يَقُول دَاخِل نَفسِه بِجَذَل: «بَل أَمرٌ رَائعٌ كَونكَ لَن تَلتَصقَ بِي عَلى مَدارِ الأَربعةِ وَالعِشرينَ سَاعة، وَفوقَ هَذا أَحمدُ الرَّب عَلى كَونكَ أَكبرَ مِني بِعام.»

طَرقاتٌ خَفيفةٌ طَرَقهَا إِيثَان عَلى بَابِ المُدير، لِيسمَع بَعد هُنيهةٍ صَوتهُ الأجَش السَّامِح لَهمَا بِالدُّخُول، أَدارَ مِقبضَ البَابِ وَقلبُه يَدقُ بِسرعةٍ كَمَن شَارَكَ فِي سَباقٍ العَدوِ لِمسافَاتٍ طَويلة؛ وَهَذا لَم يَكُن سَببهُ الخَوفُ وَإنّمَا التَّرقُب لِرُؤيةِ المُديرِ الّذِي لَم يَسبِق لِأحدٍ رُؤيتهُ عَدا قَادةِ المَهاجِع وَنُوابِهم، وَلعَل هَذا أَهم سَببٍ جَعلهُ يَتبعُ جَميل إِلى هُنا.

لَونٌ بُنيٌ اِكتسَح المَكانَ مِن رُفوفِ المَكتبةِ ذَاتِ الكُتبِ العَتيقة، إِلى مَكتبِ المُديرِ الّذِي تَتطايرُ خَلفهُ السَّتائرُ البَيضاء، وَعلَى عَكسِ تَوقعِ الأَصغرِ فَقد كَان المُديرُ شَابًا فِي مُقتبلِ العُمرِ لَا مُنتَصفِه، ذَا شَعرٍ سَرقَ صَبغتهُ مِن لِحاءِ شَجرةِ الأَبنُوس، مُظفرٍ بِعنايةٍ وَعلَى كَتفهِ الأَيمَن يَتدلَى، وَمِحجرَينِ تَألقَا بِحمرةٍ يَاقُوتِية، كَما اِمتلَك بَشرةً بَيضاء كَاليَشم. وَأَكثرُ مَا أَثارَ غَرابةَ إِيثَان حَولهُ هُو القِناعُ الفِضِيُ الّذِي يُغطِي نِصفَ وَجههِ الأَيمَن العُلوِي.

بارون الليلWhere stories live. Discover now