الفَصلُ الحَادِيَ عَشر: اِنكشَافُ المَستُور.

161 10 155
                                    

«ثَلاثة، اِثنان، وَاحد.»

نَبس آستر وَهو يُحدقُ فِي سَاعةِ الجَيب، وَمُزامنةً مَع أخِر كَلمةٍ لهُ اِرتَفع صَوتُ الأَلعابِ النَّاريةِ فِي الأَرجاء مُزينًا سَماءَ الليلةِ الظَّلماء، وَمُعلنًا عَن بِدايةِ اِفتتاحِ المِهرجَان السَّنوي للِأكَادِيمية، وَكَذا وَقتُ بَدء تَحُركَاتِه.

تَجول هُو وَإِيثَان بَين الأَكشاكِ وَالمحَلات، وَكُلّ هَذا لِأن الأَصغرَ رَفض البَقاء حَبيسَ الغُرفة، فَلم يَكُن أمَامهُ خِيارٌ إِلّا اِصطحَابه خِشيةَ تِكرارِ سِيناريُو الاِختطاف، لَكن مَا لَا يفهمُه لِم الصُّعلوكُ مِن مَهجَع أَلكامَاس يَلتصقُ بِه كُلّمَا رَآه؟ وَهَذا يَنطبقُ عَلى مَا يَحصلُ فِي الوَقت الحَالي، وَما أَزعجهُ أَكثر هُو اِستمرَارُه فِي الثَّرثرة، وَمُناوشتهُ مِن حِينٍ إِلى آخَر مَع اِبن صَديقه.

رَفعَ خُصلاتَ شَعرهِ الدَّعجاء بِيدهِ بِعصبيةٍ فِيما اِنسلَ البعضُ مِنها وَهُو يُطالبُهم بِاِلتزامِ الهُدوء، صَحيحٌ أَنّه نَال مَا أَرادهُ لَكنهُ لَم يَدم إِلّا دَقائقَ مَعدودات، بَل وَيا لِحسنِ حَظهِ الجَميل! قَابلَ العَربي فِي طَريقهُم وَها قَد أُضيفَ فَردٌ جَديدٌ إِلى مَجمُوعتِهم الصَّاخِبة، مَن يَراهُ قَد يَظنُه حَاضنَ أَطفال.

كَرر عَمليةَ الشَّهيقِ وَالزَّفير مِرارًا وَتكرارًا حَتى يَهدأ، إِذ يُمكنهُ تَجاهُل إِزعاجهم وَببساطَة، لِذا عَليهِ فَقط الاِستمتاعُ بِوقتهِ حِين تَسنحُ لَه الفُرصة، عِند التَّفكِير بِهذَا اِرتخَت أَعصابهُ المَشدُودة وَعادَ لِهُدوئهِ المُعتاد.

قَضمَ قضمةً صَغيرةً مِن حَلواهُ وَعيناهُ حَول المكانِ تَجولانِ وَتتفحَصان، وَبالصُّدفةِ لَمحَ شَخصًا مَألُوفا، أَرادَ تتبُعه بِنظرِه لَكنهُ سُرعانَ مَا فقدَ أَثره.

فَجأةً وَعلى غَفلةٍ مِن الجَميعِ صَدحَ المكانُ بِصوتِ الطَّلقاتِ النَّارية، لِيرتفعَ كَذلكَ صَوتُ الصَّرخاتِ الفَزعة، وَمن دُون أَن نَنسَى تَلوُن المَكانِ وَاِصطباغهِ بِالأحمر القِرمِزي، وفِي وَسط هَذه الفَوضى أَخد آستَر الأَطفَال مَعهُ إِلى مَكانٍ أمنٍ لِلاِختباء، لَم يَلتقِ فِي طَريقهِ بأيّ قَاتلٍ نَظرًا لِعلمِه بِطُرقٍ سِرية لَا يَعرفهَا الأَكثرية، وَبدلًا مِن ذَلكَ اِلتقَى المُديرَ كَايل الّذي طَلب مِنهُ تَركَ مُهمة أَخد الطُّلابِ إِلى مكانٍ آمِن.

قَبل مُرافقةِ إِيثان لِكايل، شَد كُم خَالهِ قَائلًا بِصوتٍ غُلفَ بِالتَّوتر: «أمممم، خَالي...»

لَا يُمكنُ لأيّ أَحدٍ تَخيلُ كَميةِ الصَّدمةِ الّتي اِجتاحَت الأكبرُ وَهُو يسمَعُ هَذه الكَلماتَ مِن شَخصٍ لَم يَتوقع مِنه البتَة قَولها، وَصراحةً لا يعلمُ أَكانَ سَعيدًا أَم حَزينا، فَمشاعرٌ اِختلطت وَتأرجَحت بَينهُمَا هِي مَا كَان المُسيطرَ عَليه حَاليا. ثُمَ أردفَ الصَّبي: «هَل يُمكنكَ أَن تَعدنِي أَن لَا تَفعلَ أَي شَيءٍ غَبي؟ مَهمَا كُنت، وَمَاذا فَعلت فَأنَا سَأبقَى أُحبكَ وَأراكَ مُخادعًا مُثيرًا لِلحنق، سَواء أَكان أَنت أَو هُو، رَجاءً قَبل أَي شَيء فكِّر فِي أُمي الّتي تُعزك أَكثرَ مِن أَي شَخصٍ أَخر، لَا تَفعل ذَلكَ لِأجلي وَلكِن مِن أَجلها!»

بارون الليلWhere stories live. Discover now