آسفة لكوني بشر يخاف العوز و الحاجة و الفقد, لا أستطيع أن أكون مثل سارة و أهب حياتي و عافيتي و أموالي لعائلة ليست حتى بعائلتي. لا أستطيع أن أهرب من الواقع للأحلام و الرؤى المبهمة, خاصةً من أناس رأيتهم في محبسي و قد كنت فاقدة القدرة على التمييز بين الخطأ و الصواب, لا أستطيع أن انفصل عن الحقيقية الكامنة أمامي بكل شفافية و أندفع بكل قوتي نحو الخيال, و خيال يا سارة ما أبصرتيه بعدما سجنتِ بلا ذنبٍ جنيتِ لخمسة عشر شهراً. تقولين أختي العزيزية أنكِ رأيتِ أناس تصنيفهم الأول و الأخير بل و الأوحد كونهم جان و عفاريت, فأي فتاتين تلكما من استطاعتا الدخول و الخروج من قسم شرطة دون أن يلمحهما مخلوق, قدمتا لكي العون و الطعام و الحلم الأسير الذي تعيش عليه سارة باحثة عن أثره في وجيه.
لا أستطيع أن أرى بكائها الذي لا ينقطع ليل نهار رغم كل ما تبديه من كبرياء و ثقة بالنفس. دلفتُ إلى غرفتها وجدتها جالسة على سريرها ممتدة الساقين, كلبتها الجديدة بجانبها ناحبة حال صاحبتها الجديدة, تضمها سارة بين ذراعيها بينما الكلبة رأسها ساكنة على صدرها, حزينة سارة لفراق وجيه عنها للشهرين متتاليين, و زادتها سارة لما تحدت الخطيب و هو الأخر قبل التحدي و بطريقه للفوز عليها, لأن الابن الضال متخفي بعمله الخارجي تاركاً سارة في مواجهة حارة مع الخطيب.
وجيه أجبن من المواجهة و بالتالي يخاف مواجهة أبيه برغباته بينما أختي الوحيدة لا تخاف شيء, و تريد كل شيء لأنها تظن أنها تستحق بعد ما نالته من الآلام من تلك الحياة العبثية و تزداد عبثاً و جنون يوما بعد يوم, سارة تريد مقايضة الحياة و الحياة بسيطة لا تقدم تسهيلات في السداد, تقصم ظهرك و تطحن عظامك في متاهاتها و تسألك الصبر على البلاء, فليس لديك ملاذ أخر إلا حياة فرضت عليك فرضاً منذ ولدت و حتى تنتهي منك الحياة و تسلط مآسيها على أخر.
جلست على طرف سريرها بينما أمسح على شعر الكلبة الكثيف و أخاطبها ممازحة متسائلة حالها العجيب دون كل الإناث من معشرها:
- و انتي بقه يا حلوة رافضة الجواز ليه ؟ شفت من الرجالة إيه عشان تيجي تعيشي معانا في نادي العوانس و المطلقات ؟
لا تجيبني الكلبة و لا سارة فأردفت للثانية :
- و أخرتها يا ست الحسن و الجمال ؟
صاحت سارة بعصبية :
- لو قلتي كده تاني هقطعلك لسانك .. يا رخيصة يا واطية.
ثم انخرطت في البكاء من جديد إنما بهستيرية هذه المرة, سارة جميلة, جميلة للغاية و تكره أن يلقبها أحدهم بست الحسن و الجمال, و لم تبدي علّات, فقط الصراخ و التوبيخ. سارة تلقي الكلبة عن السرير فتهبط الثانية على الأرض و تصدر صرير حزين للمعاملة القاسية التي تلقاها من ربتها الجديدة, و يخيل لي أن الكلبة أدمعت عيناها. تنهض سارة عن السرير و تجول بالغرفة بلا هدى يداها بخصرها, تبتلع دموعها و شهقاتها لتقاوم حالتها الواهنة الأخيرة من الحزن, أنتظر منها أي شيء برحابة صدر فتقول :

YOU ARE READING
زوجة في الظل
Romanceبين شعرها و الليل زواج كاثوليكي لا طلاق فيه, يدب بينهما الخلاف بفعل مكر الرياح لما تلامس نسماته ما لليل, يتشاجران , يوبخها, تصفعه على وجهه الأسود و من ثم تنساب الخصلات البنية الداكنة من خلف الرياح فلا يجد الليل إلا ترك الكبرياء و إرضائها لاستبقائها...