نيو يورك. 64

298 14 0
                                    

درجة رجال الأعمال في الطائرات التجارية شيء يفوق الرفاهية, و أظن يفوق الخيال كذلك. من الترف الشديد أن تجلس على كرسي وثير من الجلد الطبيعي وحدك, أن يحتويك و ذويك و خبالك, أن تقدم لك حسناء مشروب فوار استفتاحي لقبل الغداء, تحتسيه , تستصغيه, تجده ميرندا منهكة بالتفاح, حامضة بعض الشيء فتبلعها في امتعاض و تنظر للجالسة بجانبك, تنتظر منها أن تشاركك الامتعاض و لكن تجدها ترفع يدها أمام الكأس المقدم إليها من المضيفة الحسناء بينما تردد أنها لا تشرب الكحول و تريد مخفوق عصير طبيعي, و حينها فقط تجزع و تبعد حافة الكأس الأنيق عن شفتاك و تسأل أختك عن ماهية المشروب الفوار فتقول :

- شاتو جربيز

- يعني خمرة ؟

- يعني .. حاجة شبه الشامبين بس عنب .

جزعت, خمور في عنان السماء و كل ما أتمناه الهبوط على الأرض بلا موبقات علني أعود لابنتي سالمة. وضعت الكأس على طاولة أمامي أتمتم مستغفرة الله العظيم أما سارة ضحكت بشدة ثم قالت :

- بطلي الكلام ده هيفتكروكي ارهابية شقرا .

زوجي الأول كان رجل متشدد, لم يسمح لي بحضور حفلات عائلته العامرة بالملذات و المجاملات الغير مبررة, و كذا لم يسمح لي بالشراب بينما كان مدمن خمور عله ينسى حاله المأساوي, سلوى لم تسمح لأياً من بناتها بشرب الكحول, كما كانت هي, سلوى كانت تكره الهذيان و تحب أن تكون متيقظة على الدوام و أرادت منا المثل فاليقظة تولد منها مساومة عادلة لا تبخسك حق.

شربت ما شربت سارة و ما أكلت, و سارة ابنة طيعة تستمع لوالديها أحياناً, طلبتْ وجبة حلال و لم يظنها أحد إرهابية مسلمة. للغرابة القصوى اليهود يأكلون الحلال كذلك فقد ظننتهم يأكلون الخنازير و ما شبه من محرمات. فاتني الكثير من العالم بينما كنت قابعة في بيت زوجي الأول ثم بيت أنور. الطائرة الأولى التي قادتني من مصر لدنفر حظينا بداخلها بالدرجة الثانية المذلة, و قد اعتقدت أن كل درجات الطائرة إذلال, كراسيها كما كراس المواصلات العامة ضيفة جامدة, تقدم لك وجبة من النواشف, قطعة جبن مغلفة, خبز فرنسي, و عبوة عصير, بينما درجة رجال الأعمال, خمور و حلوى و لحوم حمراء متشربة بالعصارات الندية. وسائد و دُثر تمر بهم المضيفة الحسناء على عربة ذو دواليب و توزعهم على المسافرين ليحظوا بقيلولة مريحة بينما في الدرجة الثانية المرأة التي كانت تجلس على جانبي الأيسر نعمت بقيلولة على كتفي.

سارة طلبت من المضيفة الحسناء وسادتين و دثارين , ناولتني حصتي و عدلت وضعية الكرسي للنوم و تلحفت بالدثار بينما تسب أنور بأمه لفقره, فتملكني التعجب. من لديها مونرو ما حاجتها لأنور, ما حاجتها لامرأة محطمة مثلي لم أكن لها أخت يوما أو دفعت عنها بلاء, لم أحذرها من صفقة هي بضاعتها و حفظت أسرار سلوى لئلا أكون صفقة بدوري فأمسيت صفقة كل موسم و كل يد حتى ظهرت في حياتي أخت.

زوجة في الظلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن