حكاية 15

955 51 25
                                    

ـ يا أهلًا يا أهلًا، دا المكان نور بيكوا.
ـ تسلمي يا تيتا.
ـ تيتا مين، قوليلي يا ستي.
ـ هاتوا عنكم الشنط.
خدوا الشنط طلعوها للبيت وفضلنا إحنا واقفين نسلم عليهم، عددهم معدي الخمسين شخص! إيه البهدلة دي، كان لازم ننزل مصر يعني يا بابا. عمتو قربت مننا وبدأت تتعرف علينا واحد واحد.
ـ دي حور طبعًا، أكبر واحدة، بسم الله ما شاء الله، إيه الحلاوة دي.
ابتسمت بلطف.
ـ دي حلاوتك يا عمتو.
ـ روح عمتك، واللي بعدها نور، وه! استري نفسك يا بت!
فكت لنور الجاكت من على وسطها وحطته على أكتافها، لأنها كانت لابسة نص كُم قصير، فضحكت بخفوت، لأني سبق وقولتلها إنهم هيستغربوا لبسها.
ـ هو أنا مكشوفة يا عمتو! دا style الـoutfit!
ـ بلا فتة،بلا مفتاش! وــ يالهوي! يا مُرك ياما! إيه يا بت اللي أنتي عملاه في نفسك دا! عارضة رجليكي للي رايح واللي جاي كدا ليه أنتي التانية!
حمحمت بهدوء قبل ما أتكلم.
ـ روز لسه صغيرة يا عمتو، وكمان الشورت مش قصير أوي كدا!
بصتلي بعدم اقتناع ورجعت بصت لروز.
ـ وأنتي في سنة كام يا روز؟
ـ داخلة grade 8 يا عمتو.
بصتلها بعدم فهم فبابا رد.
ـ داخلة تانية إعدادي يا وفاء.
قبل ما تعترض كنت مسكت إيد سليم وخرجته من ورايا.
ـ سلم على عمتو يا سليم.
اتكلم بصوت وطي وخجول وهو لسه مخبي نفسه فيا.
ـ ازيك يا عمتو.
ـ ازيك يا غالي يا ابن الغالي، يلا ادخلوا عشان تاكلوا وتريحوا شوية من السفر.
ـ إيه دا!
ـ متخافوش دا النور قطع، استنوا نشغل الماتور.
نور ميلت عليا وهمست.
ـ هما مدفعوش فاتورة الكهربا ولا إيه؟
ضحكت بخفوت، بداية لطيفة!

ـ مين دا؟
ـ دا جواد يا حور.
ابتسمت بلطف حقيقي.
ـ إزيك يا جواد.
سكت شوية يبصلي، أكيد بيتأمل ملامحي اللي اتغيرت مع مرور الزمن، زي ما عملت. ملامحه اختفت منها البراءة والطفولة، نبتله دقن خفيفة، عينه بقت حادة، أكتافه عريضة، بقى طويل، طويل جدًا، لدرجة إني بقيت رافعة راسي عشان أقابل عينه، بعد ما كان أقصر مني. باختصار بقى راجل، حتى إيده بقت خشنة بالنسبة لإيدي.
ـ الحمدلله، نورتي.
ـ بنورك.
وبس كدا، أنا خرجت برا أراقب الشوارع بعد غياب عشرين سنة، وهو دخل يغير هدومه بعد ما رجع من الشغل. مفيش كلام نتكلم فيه، عشرين سنة غياب مش فترة قليلة، كل اللي فاكرينه عن بعض هي كام ذكرى من الطفولة، لكننا اتغيرنا، اتغيرنا أوي.

ـ رايحة فين يا حبيبتي؟
ـ هاخد سليم ونعمل picnic في الغسط شوية يا بابا.
بابا ضحك، لأنه فاهم إني مش موافقة على رجوعنا واستقرارنا هنا، وبعاند عناد ملوش لازمة إني أعمل نفس اللي كنت بعمله في بريطانا.
ـ طيب، خلي بالك نفسك وسليم.

ـ امسك يا سليم الكورة العب مع نفسك شوية بقى.
سبته بعد ما لعبت معاه شوية، وقعدت على الفرشة اللي فيها مربعات حمرا وبيضا، وخدت رواية pride and prejudice أقراها للمرة الـ.. نسيت! اندمجت في الرواية لحد ما فوقت بخضة على صوت عالي.
ـ WATCH OUT! ابعد يا سـلـيـم!
روز! إيه اللي هي عملاه دا! راكبة حمار وفقدت التحكم فيه وجاية علينا بسرعة وهي بتصوت! جريت بسرعة على سليم وشيلته من مكانه ولما حاولت أتحرك كانت رجلي اتحشرت بين الطوب ومعرفتش أطلع. بسرعة، بسرعة، بسرعة، شوية كمان، قربت أطلع. غمضت عيني باستسلام لما مقدرتش أخرج رجلي وحاوطت سليم بدراعاتي بخبيه جوايا. ثانية.. اتنين.. فتحت عيني ببطئ لما لقيت المكان هدي.
ـ أنتي كويسة؟
رفعت عيني ببطئ لبيت جواد بيبصلي بقلق وبإيد ماسك بيها الحمار. اتنفست بعمق ومحسيتش برجلي ووقعت على الأرض.
ـ حور!
ـ أنا كـ كويسة.
فلت إيدي من على سليم بس رجعتها تاني عليه لما لقيته بيستخبى فيا وبيرتعش من الخوف. رفعت إيدي وربت على راسه وهمستله بصوت حاولت يكون ثابت.
ـ اهدي يا سليم، متخافش.
ـ حور، أنتي كويسة؟ أنا أسفة جدًا معرفتش أركب على الحمارة كويس.
بصيتلها بعيون حادة وكنت عايزة أقول إنها هي الحمارة، بس مسكت أعصابي ولساني، عديت لخمسة، وبعدها بصيتلها بعتاب.
ـ حرام عليكي يا روز خضتي وخضة سليم، المهم إننا بخير دلوقتي، بس متعلميش كدا تاني.
ـ هاتي إيدك يا حور.
مديت إيدي لجواد بحاول أقوم، لكن ألم رجلي كان لا يحتمل.
ـ استني أطلعلك رجلك من بين الطوب.
ـ بس خلاص طلعت.
ـ وجعاكي؟
ـ لا متقلقش، هقدر أمشي عليها.
ـ طب هاتي سليم عنك.
سليم هز راسه بلا ودفن نفسه في حضني.
ـ خلاص خليه معايا.

حكايات تمس القلبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن